نوفيلا-الجميلة والدميم- الفصلين الثالث والرابع- بقلم نهال عبد الواحد - مجلة سحر الروايات
الجميلة و الدميم
(3)
بقلم:نهال عبد الواحد
ظل زين مكانه بعض الوقت يحاول أن يستوعب ما حدث ، لكن لم يستمر الأمر طويلاً فسرعان ما صعد خلفها و وصل لباب الغرفة الموجودة فيها وطرق الباب منادياً عليها.
- جميلة !
- اتركني وحدي !
- أرجوكي جميلة ! أنا آسف ! إقبلي أسفي !
- قلت اتركني وحدي !
- سامحيني ! فأنا منذ زمن وأنا أعيش بمفردي هنا وكأني قد نسيت كيفية التعامل مع البشر ، فهي حقيقة كيف لمسخ أن يتعامل مع بشر عاديين ؟!!
وقعت تلك الكلمات على قلبها قبل أذنها وقد آلمتها بشدة وما كانت لحظات إلا ومسحت دموعها وفتحت الباب.
ثم قالت:لا تقل كلمة مسخ تلك !
فابتسم بسخرية ثم قال :إذن فمن أكون إذن ؟!
فابتسمت بحنان وقالت:أنت إبن العم.
فإبتسم هو الآخر قائلاً بقلة حيلة : إذن فاقبلي أسف إبن عمك !
فأردفت بغضب مصطنع : بشرط.
فتسآل بدهشة :ماذا ؟!!!
- سأقبل إعتذارك بشرط.
- ترى ما هو ؟!! إستر يا ستار !
- أن تعتبرني إبنة عمك وتحكي لي عنك ، أود معرفة الكثير ، كل شيء.
- لأي شيءٍ تخططين؟
فعلقت ذراعها بذراعه ثم سارت تتأبطه تتجه لأسفل وهي تقول: أخطط لعودتك للحياة من جديد.
فأهدر وكأنه مسلوب الإرادة :هل تعلمي ماذا تفعلي بي عندما تعامليني هكذا؟
فتسآلت برقة زلزلت كيانه :ماذا ؟
- تعطيني أمل كبير أخشى حتى تصديقه.
- لا تخشى وصدق.
وكانا قد وصلا وجلسا ثم قال لها:هل صحيح أني أشبه عمي؟
فإتسعت إبتسامتها لدرجة أشرق وجهها : أجل ! تشبهه كثيراً في الملامح وأتمنى أن تكون مثله في طباعه حتى لا أتركك.
ثم إنتبهت وأكملت ببعض الإرتباك: هيا احكيلي ما قصتك ؟ ماذا درست ؟ كل شيء.
فإبتسم قليلاً مما رآه في عينها ثم حاول أن يصرف ما حاك في صدره ثم قال: كانت حياتي رائعة و أكثر حتى ماتت أمي ، هنا بدأ مؤشر حياتي في الإنحدار ، صحيح أني لم أكن طفلاً رضيعاً بل شاباً يدرس القانون.
فأومأت برأسها تهزها :إمممممم ! إذن فأنت محامي !
فتابع :كنت ، وكان لديّ مكتب محاماة لكني أغلقته منذ أعوام.
- لماذا؟
- بعد وفاة أمي تركني أبي ، لا أعلم من صدمته لوفاتها أم ماذا ؟!!! لكن كل ما أعلمه أني صرت وحيداً وكلما طلبت مجيئه اتهمني بالطفولة ، كنت أشعر بوحدة غريبة ، صرت أشرب الخمر حتى أثمل تماماً ، وذات يوم كنت مخموراً وعائد ليلاً وأقود سيارتي فحدث ذلك الحادث كما ترين ، ومن يومها وأنا حبيس ذلك البيت لا أقابل أحد ولا أحداً يقابلني سوى رجالي ليلبوا إحتياجاتي من مشتريات وغيرها ، أما أبي فقليل ما يجيء يزورني ، فهيئتي كما ترين لا تدعو لأي ألفة.
- معذرةً في سؤالي ! لماذا لم يطلب والدك من الأطباء وقت الحادث خياطة الجروح بشكل أفضل ؟؟
- لأن حالتي كانت خطيرة ومنتظر وفاتي بين اللحظة والأخرى ، فقد كنت في غيبوبة لفترة طويلة ورأى أبي أن لا فائدة من خياطة التجميل ما دمت سأموت.
ثم سكت ولم يقوى على البوح بما أصاب ساقه ، ورغم معرفتها لكنها لم تعلق وتركت اعترافه بذلك الأمر في وقت أفضل له.
- لا عليك ، كلها شكليات.
- كيف أنتِ بهذا الهدوء ؟ ! كيف لم تفزعي من هيئتي ؟! كيف تستطيعين النظر في وجهي وتبتسمي إليّ تلك الإبتسامة الرائعة ؟ إن أبي نفسه عندما يراني يلدعني بنظرات الإشمئزاز ، وألاحظ أن يتجنب النظر في وجهي.
- لكني لست هو ، لاحظت ارتباكك عندما علمت باستخدامي لهاتفك رغم إني أقسم لك مافعلت سوى الإتصال فقط ، لم أفتش هنا ولا هناك.
- وإن فتشتي فلن تجدي أي شيء.
- ألا تحادث الفتيات عبر الشات ؟؟!!!!
فأومأ برأسه أن لا :لا أحب تلك الطرق في التواصل ، لأنها طرق خادعة ، ترى الفرد منهم يضع صورته وهو يبتسم وفي الحقيقة هو يتألم ، كيف لي أن أفهم من أمامي عبر إنفعالات ذلك الوجه الأصفر ، التواصل الحقيقي لا يكون إلا وجهاً لوجه ،أنظر في عينك وتنظر في عيني، وبما أنه لا يمكن لأحد أن يراني وجهاً لوجه فقطعت علاقاتي بكل البشر.
فقالت :بمناسبة العيون إن عينيك الرماديتين رائعتين حقاً ! ربما تكون تشبه عيون أمك فلا أحد في عائلتنا له نفس ذلك اللون البديع.
فأومأ برأسه أن نعم :أجل ! كان لأمي عيونا رمادية.
وهنا قد دخل أحد الرجال ويحمل الكثير من المشتروات فاتجهت إليه جميلة لتأخذها منه ثم انصرف.
فإلتفتت لزين وقالت : إن صنع الطعام يستغرق وقتاً وعلينا أن نبدأ من الآن ، هيا انهض وقم ساعدني يا رجل !
- يمكننا شراء طعام جاهز.
- لكني أريد التعلم فيك.
- يا إلهي ! لقد وقعنا في الفخ !
- يمكنني الإتصال بمربيتي وستُمليني طريقة عمل الوصفات.
- لكن لن تتصلي.
- إذن هناك فكرة أخري، يمكنك تحميل تطبيق للوصفات وما عليك إلا إختيار الوصفة وسيكون أمامك فيديو يشرح عمل الوصفة ، هيا حمله !
وبالفعل حمل زين التطبيق ولم يعلم لماذا يسير خلفها هكذا وينفذ لها كل ما تطلبه .
بدءا بالفعل يعدان وصفة ما ، وقد كان معها في المطبخ بل ويعاونها في بعض الأمور مثل تقشير أو تقطيع ، كم كان وقتاً رائعاً ! فلم يشعرا معاً بالوقت كيف يمضي هكذا !
ويوماً بعد يوم وهما يتشاركان كل شيء ويحكيان ويضحكان ، تلك الضحكة التي قد نسى مذاقها منذ أعوام ، كما نسيا أنه كان خاطفاً لها ، لقد كانت فعلاً فترة للإستجمام ،لكن صار يتملكه شعور نحوها قويّ للغاية فلا يطيق بعادها ولا فراقها ، أجل قد أحبها حباً لا يُعقل ، فقلبه المحروم من أي عاطفة هذا بمجرد أن جاءته الفرصة دق بكل قوته لها ودون سابق إنذار.
لكن كان دائماً يذكر نفسه بحاله ، بشكله المشوه ، بقدمه التي لازالت لا تعلم عنها أي شيء ، ترى هل ستقبل عاهته كما تقبّلت ملامحه الدميمة تلك ؟
فلن يقبل منها أي عطف أو شفقة رغم أن كل ما وجده منها لا يدل إلا على عشق دفين داخل مهجتها ، لكن إن كان يحبها هكذا فلم يفرض عليها أن تعيش أسيرته مدى الحياة ، ليس فقط لأنه خطفها بل لأنها ستكون أسيرة لعاهته وقبحه ، عليه أن يبعدها عنه بأي طريقة ، فمن أعطته قلبها وكل تلك السعادة لا يكون جزاءها أبداً ذلك الجزاء.
لكن مهما حاول الإبتعاد كان يجد نفسه يقترب ، فقد صار هو من لا يقوى على البعاد ، لأنه من يحتاج لبقاءها أكثر ، ولا يدري كيف حدث كل هذا ولم يعرفا بعضهما إلا من أيام معدودات ، لكن تلك الأيام القليلة قد جعلت كلا منهما الكثير فالحب لا يحتاج لتلك الفترات الزمنية لينبت وينمو ويترعرع ، لم يبق إلا البوح حتى يتم ميلاد هذا الحب لأرض الواقع.
وذات يوم بينما كان زين يتجول في حديقة البيت ورأى زهرة جميلة لكنها لم تكن أجمل من جميلة نفسها ، فهم ليقتطفها و يقدمها لها فقد حان وقت البوح.
وبينما هو كذلك إذ فتحت جميلة الرشاش الذي يروي الحديقة دون أن تنتبه لوجود زين بين الزرع.. وفجأة !
تتاثرت رذاذات الماء على زين وهو يصيح لكن ليس بغضب فإذا بجميلة تدرك ماذا فعلت لكنها أسرعت إليه تشاركه وهي تضحك بصوتٍ عالٍ وقد قلبت الموقف لمزحة.
فلم يجد نفسه إلا أن يضحك هو الآخر بصوتٍ عالٍ وسط تلك الرذاذات ، كانت أصوات ضحكاتهما تشق الهواء وإن رجاله ليتعجبون من تغير حاله واعتداله هكذا ويتمنون لو تبقى جميلة للأبد .
ثم بعد قليل اقتطف تلك الزهرة وأعطاها لها فأخذتها وإبتسمت ثم رفعت عينها إليه بنفس الإبتسامة الرائعة وقبل أن ينطق بكلمة تعلقت برقبته فوجم قليلاً وكأنه قد ضُرب على رأسه ، لكنها لحظات وضمها إليه وقال : أحبك جميلة ! لا أعرف متى ولا كيف تسربتي وتسللتي بداخلي هكذا ! لكن ما أعلمه أن تلك الصخرة الصماء التي كانت على يساري قد أذبتيها وأعدتي إليها الحياة.
فابتعدت قليلاً وقالت بسعادة:وأخيراً نطقت ، وأنا أكثر منك بكثير ، بين عيشة وضحاها وجدت نفسي أحب من خطفني ، أنت لم تخطفني زين بل خطفت قلبي.
فضمها إليه ثانياً لكنه شرد فجأة ، إنه مخادع لم يبوح بكل شيء ، كأنما يضعها أمام أمر واقع.
......................................
NoonaAbdElWahed
الجميلة و الدميم
(4)
بقلم:نهال عبد الواحد
مضيا معاً يوماً رائعاً فمهما تمنى زين لم يتمنى يوماً أكثر مما هو فيه أن يجد من تحبه هكذا أن ترى قلبه بغض النظر عن شكله وملامحه ، أن يكون سعيد لتلك الدرجة ، أن يضحك حقاً من قلبه .
لكن السؤال الذي يطرحه لنفسه هل أنت تستحق هذا القلب ؟!! لقد آثرتك على كل شيء في حين أنت قد آثرت كبرياءك ، فحتى الآن لا تقوى على البوح بأمر ساقك المبتور تلك ، أتخشى فراقها ؟! إذن فأنت أناني لأنك لا تريد تخييرها وهي لا تستحق أنانيتك تلك.
هكذا كان شارد في أفكاره بينما كانا يجلسان لمشاهدة التلفاز في المساء ، إذ فجأة أخرجه من شروده تلك الرأس التي انزلقت على كتفه ، إنها رأس جميلة فقد سقطت في سبات عميق.
كان يرى أن علاقتهما ماهي إلا بعض الوقت وستنتهي بمجرد معرفة جميلة للحقيقة إذن فعليه أن يقضي كل لحظة بجوارها ولا يفارقها ، حتى تكون لديه ولو ذكريات سعيدة !
لمح بُردة موضوعة على الأريكة فقربها برجله السليمة وهو جالس مكانه حتى لا يُيقظها وضمها إليه وتغطيا بتلك البُردة ، ثم أطفأ التلفاز باستخدام جهاز التحكم ونام بجوارها يحتضنها يشعر بدقات قلبها التي تدق له بصدق ، يشعر بأنفاسها ، يستنشق عبير شعرها ، يشدد في قبضته عليها ربما لا تفارقه إن التصقت به هكذا .
وفي صباح اليوم التالي تفتح جميلة عيونها فتجد رأسها على صدر زين وهي كلها بداخل حضنه الدافيء ، وما أروعه من إحساس ! فرفعت رأسها قليلاً تنظر إليه وهو نائم ، ترى فيه براءة طفل صغير فأعادت رأسها على صدره من جديد وعانقته هي الأخرى و ودت لو لم يتحركا أبداً.
لكن عناقها هذا قد أيقظه ، لايصدق نفسه أنه قد بات ليلة كاملة قريباً منها لتلك الدرجة ، يا ليت الأمر يدوم.
لكنه الآن يشعر بألم شديد في ساقه فقد نام بتلك الساق الصناعية يبدو أنها قد أحدثت التهابات في ذلك المكان ، كم هو مؤلم بل شديد الألم ، إنه لا يقوى على التحمل .
بدأ يتحرك حركات عشوائية فشعرت جميلة أنها ربما قد آلمته برأسها تلك طوال الليل ، فما أن قالت بوجه باش: صباح الخير حبيبي!
حتى صاح فيها فهو حتى لم يقوى على رد الصباح إو ضبط إنفعاله تلك اللحظة فالألم شديد.
زين بصياح:ابتعدي !
فابتعدت و نهضت واقفة فجأة واجمة ولا تصدق ردة فعله تلك ولا تعرف حتى كيف تستوعبها.
فأكمل بنفس الصياح :هيا أغربي عن وجهي الآن !
فقالت وقد تملكتها العبرة : ما الخطب زين؟!
لازال يصيح :ألا زلتي واقفة ؟!!! قلت أغربي عن وجهي ! اختفي من أمامي ! هيا !
فجريت مسرعة نحو غرفتها وهي تجهش بالبكاء ولا تفهم ماذا جنت ليصيح في وجهها هكذا ؟!!
بينما هو بمجرد إنصرافها جلس أرضاً وفك ذلك الجهاز اللعين المربوط من أسفل ركبته، وما أن فكه حتى بدأ يتنفس وإن كان لازال هناك ألم لكنه ألم محتمل الآن.
ثم عاد لنفسه يؤنبها على ردة فعله القوية وقسوته معها ، لقد أغضبها ، لقد أحزنها ، لقد تسبب في بكاءها ، وهذا الذي تفعله مقابل مقابل ما تفعله هي معك !!
دخلت جميلة غرفتها وارتمت على الفراش وأجهشت بالبكاء ثم نهضت جالسة وهي تمسح دموعها وتسأل نفسها :ماذا فعلت ؟ ما الخطب ؟ لماذا كل تلك الثورة ؟!! لابد أن هناك أمر ما على معرفته ، لا بل عليه معرفة كيف يتعامل معي فلا يمكن أن أتقبل ثورته تلك ، فهبت تتجه لأسفل.
كان زين جالساً أرضاً وكاشفاً ساقه المبتور تلك وبجواره الساق الصناعية ولازال يتهم نفسه بسوء التصرف والغباء ويفكر بطريقة مناسبة ليعتذر إليها، لكنه وجدها أمامه فجأة فوجم وابتلع ريقه بصعوبة وظل ينظر حوله ويجذب رجل بنطاله لأسفل ليخفي تلك الساق وبدأ يرتبك ويتوتر وشعر بالخزي والإحراج فجأة ! فهاهي قد علمت كم أنت مخادع بل ومتسلط ،أتكون تلك حالتك وتقوم أنت بإغضابها والتسبب في بكاءه ؟!!
لكن جميلة قد وجمت قليلاً ، صحيح أنها تعلم حقيقة ساقه تلك منذ اليوم الأول لكنها قد نسيتها بالفعل ، كيف غابت عنها تلك ؟؟!! إذن فهو معذور.
وبدأ يرفع عينه نحوها بخزي واحتراس يخشى أن يرى منها نظرة سخرية أو رفض أو ربما نظرة عطف وإشفاق.
وما كاد أن يرفع عينه حتى وجدها اقتربت فجأة وضمته برقة وحنان ود لو لم تبعد عنه لحظة لينعم بذلك الحنان أكثر ، لكن الكبرياء قد حضر فدفعها يبعدها عنه ، لكنها أمسكت وجهه بيديها وهي تنظر بعينيها التي لازالت تبكي لكن ينبعث منهما كل الحب والشوق ثم تبتسم وهي تربت على وجهه برفق ثم ضمته ثانياً ، فلم يملك نفسه إلا أن أجهش بالبكاء في حضنها فبكت هي الأخرى.
مر بعض الوقت وبدأ إثنانتهما في الهدوء فأبعدها عنه برفق ومسح دموعها بيديه وقرب وجهها إليه وهو يقول معتذراً : أعتذر منك حبيبتي ، أقصد يا إبنة العم.
فأهدرت بحب :بل حبيبتك.
فتسآل بألم وقلة حيلة :قوليلي بالله عليك من أين تأتي بذلك الهدوء ؟! والله كنت أود إخبارك ! لكني خشيت أن تتركيني وترحلي ، كيف تقبلين بمسخ وعاجز ؟
- لا أحب سماع مثل ذلك الكلام مجدداً ، أنا أحبك أتفهم ؟! أحبك .
- قوليلي ماذا تحبين في ؟ هيا قولي !
فوضعت يدها على قلبه وقالت :أحببت هذا ، أحببت قلبك.
- وماذا تفعلي به ؟
- لست بحاجة لرجلٍ وسيم ، لكني بحاجة لرجلٍ حنون ، و بداخل هذا القلب حناناً لا يوصف .
- أرجوكي أعيدي التفكير ، ربما أقبل تركك لي الآن لكن بعد ذلك ربما أقتل نفسي.
- الإنتحار هو فقط حيلة الضعفاء ، وأنت لست هذا الضعيف.
- بل أنا هو، صدقيني.
- كن مطمئناً لن أتركك أبداً ، ولن أمل من قربك أبداً ربما يحدث العكس فأجعلك أنت الذي تمل .
فضمها إليه وقال:لا والله ! ليتني أقوى على إسعادك و أرسم على وجهك الملائكي هذا تلك الإبتسامة التي تمنحيها إليّ .
- أنت فعلاً سعادتي وبسمتي في تلك الحياة ، المهم هيا أخبرني كيف أساعدك ؟
- ساقي تؤلمني بشدة ، لقد أصابها إلتهاباً شديداً من أثر النوم بذلك الجهاز وأود أخذ حماماً دافئاً والمكوث في فراشي اليوم ، فهل تساعديني حتى أذهب لغرفتي ؟ رجاءً !
- لست بحاجة للرجاء ، هيا انهض معي ! لكن تحرك بهدوء معي حتى لا نسقط معاً من فوق الدرج.
وبدأت تساعده أن يقف ثم سارا معاً حتى الدرج وهو متكئاً عليها وهي تمسكه من خصره ، وصعدا معاً بهدوء حتى وصلا لغرفته فأدخلته وجلس على فراشه.
ثم قال: جميلة ! افتحي هنا !
ويشير نحو خزانة الملابس ففتحت فإذا بها حقيبة يدها فمنذ أن اختطفها وهو قد أخذ متعلقاتها وهاتفها حتى لا تتمكن من طلب الإستغاثة.
فتابع مبتسماً :هذه حقيبتك خذيها ، وهي كاملة كما هي لم ينقصها شيء وبداخلها هاتفك ، يمكنك تركي الآن وعندما أنتهي من حمامي سأتصل بك.
فأومأت مبتسمة برقة :حسناً ! وأنا سأذهب لإعداد الإفطار.
وقد ذهبت للمطبخ لتعد الإفطار ، بينما هو قد تسند على قطع الأثاث ودخل الحمام.
وبمجرد أن إنتهى زين من حمامه واتصل بها حتى كانت قد إنتهت هي الأخرى من إعداد الإفطار ، فحملت الصينية وصعدت إليه وكان قد جلس في فراشه و وضع الغطاء على رجليه فدخلت بإبتسامتها الساحرة ثم وضعت الصينية وبدأت تقطع الطعام وتطعمه في فمه وهي تحكي بخفة ظلها المعتادة .
كم كان سعيداً تلك اللحظة ! فقد شعر فجأة أن أمه قد خرجت من قبرها وجاءت إليه تطعمه وتدلله.
لكن ساعات السعادة قلما تدوم ، وإذ فجأة قطع ذلك الإنسجام البديع صوت يصيح : ما هذا؟ ما الخطب ؟!
........................................
NoonaAbdElWahed
(3)
بقلم:نهال عبد الواحد
ظل زين مكانه بعض الوقت يحاول أن يستوعب ما حدث ، لكن لم يستمر الأمر طويلاً فسرعان ما صعد خلفها و وصل لباب الغرفة الموجودة فيها وطرق الباب منادياً عليها.
- جميلة !
- اتركني وحدي !
- أرجوكي جميلة ! أنا آسف ! إقبلي أسفي !
- قلت اتركني وحدي !
- سامحيني ! فأنا منذ زمن وأنا أعيش بمفردي هنا وكأني قد نسيت كيفية التعامل مع البشر ، فهي حقيقة كيف لمسخ أن يتعامل مع بشر عاديين ؟!!
وقعت تلك الكلمات على قلبها قبل أذنها وقد آلمتها بشدة وما كانت لحظات إلا ومسحت دموعها وفتحت الباب.
ثم قالت:لا تقل كلمة مسخ تلك !
فابتسم بسخرية ثم قال :إذن فمن أكون إذن ؟!
فابتسمت بحنان وقالت:أنت إبن العم.
فإبتسم هو الآخر قائلاً بقلة حيلة : إذن فاقبلي أسف إبن عمك !
فأردفت بغضب مصطنع : بشرط.
فتسآل بدهشة :ماذا ؟!!!
- سأقبل إعتذارك بشرط.
- ترى ما هو ؟!! إستر يا ستار !
- أن تعتبرني إبنة عمك وتحكي لي عنك ، أود معرفة الكثير ، كل شيء.
- لأي شيءٍ تخططين؟
فعلقت ذراعها بذراعه ثم سارت تتأبطه تتجه لأسفل وهي تقول: أخطط لعودتك للحياة من جديد.
فأهدر وكأنه مسلوب الإرادة :هل تعلمي ماذا تفعلي بي عندما تعامليني هكذا؟
فتسآلت برقة زلزلت كيانه :ماذا ؟
- تعطيني أمل كبير أخشى حتى تصديقه.
- لا تخشى وصدق.
وكانا قد وصلا وجلسا ثم قال لها:هل صحيح أني أشبه عمي؟
فإتسعت إبتسامتها لدرجة أشرق وجهها : أجل ! تشبهه كثيراً في الملامح وأتمنى أن تكون مثله في طباعه حتى لا أتركك.
ثم إنتبهت وأكملت ببعض الإرتباك: هيا احكيلي ما قصتك ؟ ماذا درست ؟ كل شيء.
فإبتسم قليلاً مما رآه في عينها ثم حاول أن يصرف ما حاك في صدره ثم قال: كانت حياتي رائعة و أكثر حتى ماتت أمي ، هنا بدأ مؤشر حياتي في الإنحدار ، صحيح أني لم أكن طفلاً رضيعاً بل شاباً يدرس القانون.
فأومأت برأسها تهزها :إمممممم ! إذن فأنت محامي !
فتابع :كنت ، وكان لديّ مكتب محاماة لكني أغلقته منذ أعوام.
- لماذا؟
- بعد وفاة أمي تركني أبي ، لا أعلم من صدمته لوفاتها أم ماذا ؟!!! لكن كل ما أعلمه أني صرت وحيداً وكلما طلبت مجيئه اتهمني بالطفولة ، كنت أشعر بوحدة غريبة ، صرت أشرب الخمر حتى أثمل تماماً ، وذات يوم كنت مخموراً وعائد ليلاً وأقود سيارتي فحدث ذلك الحادث كما ترين ، ومن يومها وأنا حبيس ذلك البيت لا أقابل أحد ولا أحداً يقابلني سوى رجالي ليلبوا إحتياجاتي من مشتريات وغيرها ، أما أبي فقليل ما يجيء يزورني ، فهيئتي كما ترين لا تدعو لأي ألفة.
- معذرةً في سؤالي ! لماذا لم يطلب والدك من الأطباء وقت الحادث خياطة الجروح بشكل أفضل ؟؟
- لأن حالتي كانت خطيرة ومنتظر وفاتي بين اللحظة والأخرى ، فقد كنت في غيبوبة لفترة طويلة ورأى أبي أن لا فائدة من خياطة التجميل ما دمت سأموت.
ثم سكت ولم يقوى على البوح بما أصاب ساقه ، ورغم معرفتها لكنها لم تعلق وتركت اعترافه بذلك الأمر في وقت أفضل له.
- لا عليك ، كلها شكليات.
- كيف أنتِ بهذا الهدوء ؟ ! كيف لم تفزعي من هيئتي ؟! كيف تستطيعين النظر في وجهي وتبتسمي إليّ تلك الإبتسامة الرائعة ؟ إن أبي نفسه عندما يراني يلدعني بنظرات الإشمئزاز ، وألاحظ أن يتجنب النظر في وجهي.
- لكني لست هو ، لاحظت ارتباكك عندما علمت باستخدامي لهاتفك رغم إني أقسم لك مافعلت سوى الإتصال فقط ، لم أفتش هنا ولا هناك.
- وإن فتشتي فلن تجدي أي شيء.
- ألا تحادث الفتيات عبر الشات ؟؟!!!!
فأومأ برأسه أن لا :لا أحب تلك الطرق في التواصل ، لأنها طرق خادعة ، ترى الفرد منهم يضع صورته وهو يبتسم وفي الحقيقة هو يتألم ، كيف لي أن أفهم من أمامي عبر إنفعالات ذلك الوجه الأصفر ، التواصل الحقيقي لا يكون إلا وجهاً لوجه ،أنظر في عينك وتنظر في عيني، وبما أنه لا يمكن لأحد أن يراني وجهاً لوجه فقطعت علاقاتي بكل البشر.
فقالت :بمناسبة العيون إن عينيك الرماديتين رائعتين حقاً ! ربما تكون تشبه عيون أمك فلا أحد في عائلتنا له نفس ذلك اللون البديع.
فأومأ برأسه أن نعم :أجل ! كان لأمي عيونا رمادية.
وهنا قد دخل أحد الرجال ويحمل الكثير من المشتروات فاتجهت إليه جميلة لتأخذها منه ثم انصرف.
فإلتفتت لزين وقالت : إن صنع الطعام يستغرق وقتاً وعلينا أن نبدأ من الآن ، هيا انهض وقم ساعدني يا رجل !
- يمكننا شراء طعام جاهز.
- لكني أريد التعلم فيك.
- يا إلهي ! لقد وقعنا في الفخ !
- يمكنني الإتصال بمربيتي وستُمليني طريقة عمل الوصفات.
- لكن لن تتصلي.
- إذن هناك فكرة أخري، يمكنك تحميل تطبيق للوصفات وما عليك إلا إختيار الوصفة وسيكون أمامك فيديو يشرح عمل الوصفة ، هيا حمله !
وبالفعل حمل زين التطبيق ولم يعلم لماذا يسير خلفها هكذا وينفذ لها كل ما تطلبه .
بدءا بالفعل يعدان وصفة ما ، وقد كان معها في المطبخ بل ويعاونها في بعض الأمور مثل تقشير أو تقطيع ، كم كان وقتاً رائعاً ! فلم يشعرا معاً بالوقت كيف يمضي هكذا !
ويوماً بعد يوم وهما يتشاركان كل شيء ويحكيان ويضحكان ، تلك الضحكة التي قد نسى مذاقها منذ أعوام ، كما نسيا أنه كان خاطفاً لها ، لقد كانت فعلاً فترة للإستجمام ،لكن صار يتملكه شعور نحوها قويّ للغاية فلا يطيق بعادها ولا فراقها ، أجل قد أحبها حباً لا يُعقل ، فقلبه المحروم من أي عاطفة هذا بمجرد أن جاءته الفرصة دق بكل قوته لها ودون سابق إنذار.
لكن كان دائماً يذكر نفسه بحاله ، بشكله المشوه ، بقدمه التي لازالت لا تعلم عنها أي شيء ، ترى هل ستقبل عاهته كما تقبّلت ملامحه الدميمة تلك ؟
فلن يقبل منها أي عطف أو شفقة رغم أن كل ما وجده منها لا يدل إلا على عشق دفين داخل مهجتها ، لكن إن كان يحبها هكذا فلم يفرض عليها أن تعيش أسيرته مدى الحياة ، ليس فقط لأنه خطفها بل لأنها ستكون أسيرة لعاهته وقبحه ، عليه أن يبعدها عنه بأي طريقة ، فمن أعطته قلبها وكل تلك السعادة لا يكون جزاءها أبداً ذلك الجزاء.
لكن مهما حاول الإبتعاد كان يجد نفسه يقترب ، فقد صار هو من لا يقوى على البعاد ، لأنه من يحتاج لبقاءها أكثر ، ولا يدري كيف حدث كل هذا ولم يعرفا بعضهما إلا من أيام معدودات ، لكن تلك الأيام القليلة قد جعلت كلا منهما الكثير فالحب لا يحتاج لتلك الفترات الزمنية لينبت وينمو ويترعرع ، لم يبق إلا البوح حتى يتم ميلاد هذا الحب لأرض الواقع.
وذات يوم بينما كان زين يتجول في حديقة البيت ورأى زهرة جميلة لكنها لم تكن أجمل من جميلة نفسها ، فهم ليقتطفها و يقدمها لها فقد حان وقت البوح.
وبينما هو كذلك إذ فتحت جميلة الرشاش الذي يروي الحديقة دون أن تنتبه لوجود زين بين الزرع.. وفجأة !
تتاثرت رذاذات الماء على زين وهو يصيح لكن ليس بغضب فإذا بجميلة تدرك ماذا فعلت لكنها أسرعت إليه تشاركه وهي تضحك بصوتٍ عالٍ وقد قلبت الموقف لمزحة.
فلم يجد نفسه إلا أن يضحك هو الآخر بصوتٍ عالٍ وسط تلك الرذاذات ، كانت أصوات ضحكاتهما تشق الهواء وإن رجاله ليتعجبون من تغير حاله واعتداله هكذا ويتمنون لو تبقى جميلة للأبد .
ثم بعد قليل اقتطف تلك الزهرة وأعطاها لها فأخذتها وإبتسمت ثم رفعت عينها إليه بنفس الإبتسامة الرائعة وقبل أن ينطق بكلمة تعلقت برقبته فوجم قليلاً وكأنه قد ضُرب على رأسه ، لكنها لحظات وضمها إليه وقال : أحبك جميلة ! لا أعرف متى ولا كيف تسربتي وتسللتي بداخلي هكذا ! لكن ما أعلمه أن تلك الصخرة الصماء التي كانت على يساري قد أذبتيها وأعدتي إليها الحياة.
فابتعدت قليلاً وقالت بسعادة:وأخيراً نطقت ، وأنا أكثر منك بكثير ، بين عيشة وضحاها وجدت نفسي أحب من خطفني ، أنت لم تخطفني زين بل خطفت قلبي.
فضمها إليه ثانياً لكنه شرد فجأة ، إنه مخادع لم يبوح بكل شيء ، كأنما يضعها أمام أمر واقع.
......................................
NoonaAbdElWahed
الجميلة و الدميم
(4)
بقلم:نهال عبد الواحد
مضيا معاً يوماً رائعاً فمهما تمنى زين لم يتمنى يوماً أكثر مما هو فيه أن يجد من تحبه هكذا أن ترى قلبه بغض النظر عن شكله وملامحه ، أن يكون سعيد لتلك الدرجة ، أن يضحك حقاً من قلبه .
لكن السؤال الذي يطرحه لنفسه هل أنت تستحق هذا القلب ؟!! لقد آثرتك على كل شيء في حين أنت قد آثرت كبرياءك ، فحتى الآن لا تقوى على البوح بأمر ساقك المبتور تلك ، أتخشى فراقها ؟! إذن فأنت أناني لأنك لا تريد تخييرها وهي لا تستحق أنانيتك تلك.
هكذا كان شارد في أفكاره بينما كانا يجلسان لمشاهدة التلفاز في المساء ، إذ فجأة أخرجه من شروده تلك الرأس التي انزلقت على كتفه ، إنها رأس جميلة فقد سقطت في سبات عميق.
كان يرى أن علاقتهما ماهي إلا بعض الوقت وستنتهي بمجرد معرفة جميلة للحقيقة إذن فعليه أن يقضي كل لحظة بجوارها ولا يفارقها ، حتى تكون لديه ولو ذكريات سعيدة !
لمح بُردة موضوعة على الأريكة فقربها برجله السليمة وهو جالس مكانه حتى لا يُيقظها وضمها إليه وتغطيا بتلك البُردة ، ثم أطفأ التلفاز باستخدام جهاز التحكم ونام بجوارها يحتضنها يشعر بدقات قلبها التي تدق له بصدق ، يشعر بأنفاسها ، يستنشق عبير شعرها ، يشدد في قبضته عليها ربما لا تفارقه إن التصقت به هكذا .
وفي صباح اليوم التالي تفتح جميلة عيونها فتجد رأسها على صدر زين وهي كلها بداخل حضنه الدافيء ، وما أروعه من إحساس ! فرفعت رأسها قليلاً تنظر إليه وهو نائم ، ترى فيه براءة طفل صغير فأعادت رأسها على صدره من جديد وعانقته هي الأخرى و ودت لو لم يتحركا أبداً.
لكن عناقها هذا قد أيقظه ، لايصدق نفسه أنه قد بات ليلة كاملة قريباً منها لتلك الدرجة ، يا ليت الأمر يدوم.
لكنه الآن يشعر بألم شديد في ساقه فقد نام بتلك الساق الصناعية يبدو أنها قد أحدثت التهابات في ذلك المكان ، كم هو مؤلم بل شديد الألم ، إنه لا يقوى على التحمل .
بدأ يتحرك حركات عشوائية فشعرت جميلة أنها ربما قد آلمته برأسها تلك طوال الليل ، فما أن قالت بوجه باش: صباح الخير حبيبي!
حتى صاح فيها فهو حتى لم يقوى على رد الصباح إو ضبط إنفعاله تلك اللحظة فالألم شديد.
زين بصياح:ابتعدي !
فابتعدت و نهضت واقفة فجأة واجمة ولا تصدق ردة فعله تلك ولا تعرف حتى كيف تستوعبها.
فأكمل بنفس الصياح :هيا أغربي عن وجهي الآن !
فقالت وقد تملكتها العبرة : ما الخطب زين؟!
لازال يصيح :ألا زلتي واقفة ؟!!! قلت أغربي عن وجهي ! اختفي من أمامي ! هيا !
فجريت مسرعة نحو غرفتها وهي تجهش بالبكاء ولا تفهم ماذا جنت ليصيح في وجهها هكذا ؟!!
بينما هو بمجرد إنصرافها جلس أرضاً وفك ذلك الجهاز اللعين المربوط من أسفل ركبته، وما أن فكه حتى بدأ يتنفس وإن كان لازال هناك ألم لكنه ألم محتمل الآن.
ثم عاد لنفسه يؤنبها على ردة فعله القوية وقسوته معها ، لقد أغضبها ، لقد أحزنها ، لقد تسبب في بكاءها ، وهذا الذي تفعله مقابل مقابل ما تفعله هي معك !!
دخلت جميلة غرفتها وارتمت على الفراش وأجهشت بالبكاء ثم نهضت جالسة وهي تمسح دموعها وتسأل نفسها :ماذا فعلت ؟ ما الخطب ؟ لماذا كل تلك الثورة ؟!! لابد أن هناك أمر ما على معرفته ، لا بل عليه معرفة كيف يتعامل معي فلا يمكن أن أتقبل ثورته تلك ، فهبت تتجه لأسفل.
كان زين جالساً أرضاً وكاشفاً ساقه المبتور تلك وبجواره الساق الصناعية ولازال يتهم نفسه بسوء التصرف والغباء ويفكر بطريقة مناسبة ليعتذر إليها، لكنه وجدها أمامه فجأة فوجم وابتلع ريقه بصعوبة وظل ينظر حوله ويجذب رجل بنطاله لأسفل ليخفي تلك الساق وبدأ يرتبك ويتوتر وشعر بالخزي والإحراج فجأة ! فهاهي قد علمت كم أنت مخادع بل ومتسلط ،أتكون تلك حالتك وتقوم أنت بإغضابها والتسبب في بكاءه ؟!!
لكن جميلة قد وجمت قليلاً ، صحيح أنها تعلم حقيقة ساقه تلك منذ اليوم الأول لكنها قد نسيتها بالفعل ، كيف غابت عنها تلك ؟؟!! إذن فهو معذور.
وبدأ يرفع عينه نحوها بخزي واحتراس يخشى أن يرى منها نظرة سخرية أو رفض أو ربما نظرة عطف وإشفاق.
وما كاد أن يرفع عينه حتى وجدها اقتربت فجأة وضمته برقة وحنان ود لو لم تبعد عنه لحظة لينعم بذلك الحنان أكثر ، لكن الكبرياء قد حضر فدفعها يبعدها عنه ، لكنها أمسكت وجهه بيديها وهي تنظر بعينيها التي لازالت تبكي لكن ينبعث منهما كل الحب والشوق ثم تبتسم وهي تربت على وجهه برفق ثم ضمته ثانياً ، فلم يملك نفسه إلا أن أجهش بالبكاء في حضنها فبكت هي الأخرى.
مر بعض الوقت وبدأ إثنانتهما في الهدوء فأبعدها عنه برفق ومسح دموعها بيديه وقرب وجهها إليه وهو يقول معتذراً : أعتذر منك حبيبتي ، أقصد يا إبنة العم.
فأهدرت بحب :بل حبيبتك.
فتسآل بألم وقلة حيلة :قوليلي بالله عليك من أين تأتي بذلك الهدوء ؟! والله كنت أود إخبارك ! لكني خشيت أن تتركيني وترحلي ، كيف تقبلين بمسخ وعاجز ؟
- لا أحب سماع مثل ذلك الكلام مجدداً ، أنا أحبك أتفهم ؟! أحبك .
- قوليلي ماذا تحبين في ؟ هيا قولي !
فوضعت يدها على قلبه وقالت :أحببت هذا ، أحببت قلبك.
- وماذا تفعلي به ؟
- لست بحاجة لرجلٍ وسيم ، لكني بحاجة لرجلٍ حنون ، و بداخل هذا القلب حناناً لا يوصف .
- أرجوكي أعيدي التفكير ، ربما أقبل تركك لي الآن لكن بعد ذلك ربما أقتل نفسي.
- الإنتحار هو فقط حيلة الضعفاء ، وأنت لست هذا الضعيف.
- بل أنا هو، صدقيني.
- كن مطمئناً لن أتركك أبداً ، ولن أمل من قربك أبداً ربما يحدث العكس فأجعلك أنت الذي تمل .
فضمها إليه وقال:لا والله ! ليتني أقوى على إسعادك و أرسم على وجهك الملائكي هذا تلك الإبتسامة التي تمنحيها إليّ .
- أنت فعلاً سعادتي وبسمتي في تلك الحياة ، المهم هيا أخبرني كيف أساعدك ؟
- ساقي تؤلمني بشدة ، لقد أصابها إلتهاباً شديداً من أثر النوم بذلك الجهاز وأود أخذ حماماً دافئاً والمكوث في فراشي اليوم ، فهل تساعديني حتى أذهب لغرفتي ؟ رجاءً !
- لست بحاجة للرجاء ، هيا انهض معي ! لكن تحرك بهدوء معي حتى لا نسقط معاً من فوق الدرج.
وبدأت تساعده أن يقف ثم سارا معاً حتى الدرج وهو متكئاً عليها وهي تمسكه من خصره ، وصعدا معاً بهدوء حتى وصلا لغرفته فأدخلته وجلس على فراشه.
ثم قال: جميلة ! افتحي هنا !
ويشير نحو خزانة الملابس ففتحت فإذا بها حقيبة يدها فمنذ أن اختطفها وهو قد أخذ متعلقاتها وهاتفها حتى لا تتمكن من طلب الإستغاثة.
فتابع مبتسماً :هذه حقيبتك خذيها ، وهي كاملة كما هي لم ينقصها شيء وبداخلها هاتفك ، يمكنك تركي الآن وعندما أنتهي من حمامي سأتصل بك.
فأومأت مبتسمة برقة :حسناً ! وأنا سأذهب لإعداد الإفطار.
وقد ذهبت للمطبخ لتعد الإفطار ، بينما هو قد تسند على قطع الأثاث ودخل الحمام.
وبمجرد أن إنتهى زين من حمامه واتصل بها حتى كانت قد إنتهت هي الأخرى من إعداد الإفطار ، فحملت الصينية وصعدت إليه وكان قد جلس في فراشه و وضع الغطاء على رجليه فدخلت بإبتسامتها الساحرة ثم وضعت الصينية وبدأت تقطع الطعام وتطعمه في فمه وهي تحكي بخفة ظلها المعتادة .
كم كان سعيداً تلك اللحظة ! فقد شعر فجأة أن أمه قد خرجت من قبرها وجاءت إليه تطعمه وتدلله.
لكن ساعات السعادة قلما تدوم ، وإذ فجأة قطع ذلك الإنسجام البديع صوت يصيح : ما هذا؟ ما الخطب ؟!
........................................
NoonaAbdElWahed
تعليقات
إرسال تعليق