رواية- راضية-الحلقات 7:9- بقلم نهال عبد الواحد - مجلة سحر الروايات

(7)
(بقلم : نهال عبد الواحد )

ما أن لمس يداها التي تفركهما في بعضهما البعض توترا وقلقا حتى سحبتهما فجأة و إنتفضت واقفة تتراجع بخطوات للخلف.

فقال لها وهو يتقدم نحوها :إهدي يا راضية ، ما تخافيش ، إهدي يا عروسة.

راضية :بعّد عني!!!

علي:أبعد كيف وأنا عريسك ؟؟!!!!

راضية :جلتلك بعّد عني وإياك تجربلي !

علي:طب إهدي ونتفاهم.
وكان علي المنضدة صينية عشاءكبيرة مغطاة (عشاء العروس فيه مالذ وطاب) و بجوارها طبق من الفاكهة و بجانبه سكينا فأمسكت بها.

راضية :على جتتي !  بعّد عني  ! لو جربتلي ، هضرب نفسي.

علي:عايزة تموتي كافرة ! إهدي واستعدي بالله وتعالي ن...

فقاطعه صوت أمه :يلا يا علي خلصت يا وليدي ؟؟
أبوها واخوها عايزين يطمنوا.

علي بصوت خافت :إيه العمل دلجيتي ؟؟

راضية :دلجيتي نطجت ! ماليش صالح.

علي:إستهدي بالله يا بت الناس ! ما عايزينش فضايح.

راضية :جلتلك على جتتي.

حسني :يا علي!!! ماترد.

فرفع صوته :نعم يا مي.

حسنى:الناس عايزين يطمنوا يا ولدي.

فخفت صوته مجدداً :أعمل ايه ما تنطجي ؟؟؟!!

وفجأة ضربت ذراعها بالسكين فنزفت دماً.
فانتفض علي :إنتِ إتدبيتي ؟؟!!!! إيه اللي عملتيه دي؟

فمدت راضية ذراعها وقالت :طمنهم اهو.

فلم يجد علي بداً أمام عناد راضية و إلحاح حسنى و طرقها و نداءها المتواصل إلا أن يلبي لها طلبها فخلع جاكيت البدلة ونزع ربطة العنق وفك القميص وبعثر من هيئته ونثر في وجهه ماء كثير كأنه متصبباً بالعرق وأخذ المنديل ومسح به من دماء راضية ثم فتح الباب قليلاً و أطل برأسه يعطي المنديل لأمه.

وما أن رأته أمه حتى تهللت أساريرها و زغردت كثيراً ثم قالت بفرحة :مبروك يا ولدي مبروك....
شوفت عروستك حلوة كيف ؟؟؟

فتنهد و قال :شوفت يا مي.

حسني:مش هتروح تجعد مع الرجالة ؟؟؟

علي:لا.

حسني:طب كريمة كانت عايزة تدخلها.
علي :ماحدش عيدخل ،  ولا حد ياجي ، ولا حد يخبط تاني يا مي.

فضحكت وقالت :ماشي يا عريس.

وانصرفت ولازالت تزرغد وأغلق الباب مرة أخرى وجلس علي أريكة أمامها مصدوم من فعلتها فكيف يحبها كل ذلك الحب وتكسره بعندها و وضع رأسه بين كفيه.

كان جرح راضية ينزف كثيراً حتى بلل الفستان و غطاء السرير الذي تجلس عليه دون أن تشعر.

رفع علي رأسه بعد مرور بعض الوقت ونظر نحوها فوجد كم الدماء الهائل هذا فانتفض نحوها فقالت بتعب :جلتلك بعّد عني.

علي:أنا جاي أشوف الجرح اللي بينزف دي ، مش حاسة ولا ايه ؟! عتتصفي وإنتِ جعدة مُطرحك.

راضية :أحسن خليني أموت وأرتاح.

كانت ردودها تصدمه أكثر وأكثر لكنه إقترب وأمسك ذراعها ينظر فإذا بالجرح غائر و يحتاج لخياطة.
راضية:بعّد عني.
وتجذب ذراعها نحوها.

علي:شايفة غباوتك ! الجرح محتاج لخياطة ، ربنا يستر وألاجي شنطتي إهني ف الأوضة ويكون فيها ولو إبرة واحدة.

فتركها و ظل يبحث عن حقيبته متمنياً أن يجدها وبعد قليل من البحث قد وجدها و فتحها و أعد كل شيء لكن للأسف لم يجد أي مخدر.

علي:نامي ع السرير عشان أعرف أخيطك ، نامي ما تخافيش.

فاستجابت له أخيراً ونامت حيث بدأت تشعر بالدوار أكثر و قوتها تخور فلم تأكل منذ زمن و قد نزفت كثيراً.

علي:معلهش ما لجيتش بنج ،  إتحملي معاي..
ثم أحضر منشفة صغيرة و طلب منها أن تعض عليها حتى لا تصرخ بصوت مدوي.

وبالفعل وبدأ يمسح الدم و يدعو الله ألا تكون الإصابة في شريان رئيسي فذلك سيلزم مستشفي حتماً ، وبدأ علي يخيط جرحها ربما كانت يداه ترتعشان قليلاً خاصة وهي تتألم و تتوجع بصوت مكتوم .

وكان من يمر من أمام الغرفة بالخارج يسمع أصواتا خافتة وهمهمة تتآتي من داخل غرفة العروسين فكان من يمر يضحك لأنه سيظن شيئاً آخر !

وانتهى أخيراً من خياطة الجرح و ربطه وكانت من وجعها ونزفها قد فقدت الوعي وبدأت حرارتها ترتفع فأعطاها حقنة مسكنة ومخفضة و جلس بجوارها يقوم بعمل كمادات ماء وظل هكذا حتى الصباح فوجد طرقاً على الباب فإنتبه علي للصوت حيث قد غفلت عينه في النوم وكان صوت منال إمرأة أخيه فنادت وهي تطرق:يا علي ، يا راضية ، اصحو كفاياكو رجاد ، الناس زمانتها جايين عشان الصباحية ، جوموا عشان تفطروا.

علي:فوتي من إهني مش وجته يا منال ، فوتينا لحالنا دلجيتي.

فغضبت منال و ذهبت تشتكي لحسنى من كلام و طريقة علي معها وقالت :يعني يرضيكي إكده يا مرت عمي يهب في ؟!  كنت عملت إيه و لا عملت إيه يعني ؟ ولا السنيورة اللي جاره خربطتله راسه ؟؟!

حسنى:بزياداكي يا منال ، فوتيهم دلجيتي ، ماجراش حاجة ، بعد شوي نطلعلهم تاني.

ومر بعض الوقت فصعدت حسنى و خلفها منال بالصينية فوجدت قاسم أمامها.

حسنى:جاسم ، يا جاسم.

قاسم :صباح الخير يا مي.

حسني:يسعد صباحك يا ولدي ! نادم على أخوك يا ولدي ،  خليه يجوم بزياداه إكده.

قاسم :وااااه يامي ما تفوتيه لحاله ،  عريس وفرحان بعروسته ، ليه نزعجهم ؟؟؟

منال:يجوموا يفطُروا الناس زمناتهم جايين عشان الصباحية ، ياجوا يلاجوهم لساتهم راجدين ، مش كفاية إنه دخل عنديها من عشية ومانزلش من وجتها !

أسماء:صباح الخير ، هم العرسان لساتهم راجدين ؟؟

منال:لساتهم ياختي ، ماتنادم يا راجل.

فاضطر قاسم للنداء علي أخيه :يا علي !!!! يا عريس ! جوم ياض !

فإنتبه علي لصوت أخيه وكان يفكر فيما سيفعل فرد عليه :أيوة يا خوي.

قاسم :جوم عشان الصباحية وابجى روحلها بعديها ،  ايه ياعم ما جادرش علي بعدها !
وضحك.
فضحكت حسني و أسماء لكن منال لا طبعاً.

علي:خليك يا خوي مُطرحك عايزك.

كان علي متوتراً وفي حيرة لا يستطيع ماذا عليه فعله فراضية تكاد تكون فاقدة للوعي ومستلقية على سريرها بفستانها الملطخ بالدماء و غطاء السرير أيضاً.

حاول علي إيقاظها بهدوء دون أن يسمعه أخيه فقال هامسا ويهز فيها :راضية ، راضية ، جومي جومي ، أهلي برة ، جومي غيري هدوماتك دي.

وظل ييقظها حتى بدأت تفوق قليلاً ولازالت عند قولتها :بعّد عني ،  بعّد عني.

علي:جومي غيري طيب ، هساعدك عتجعي من طولك.

راضية :بعّد عني.

وقامت تترنح وأصرت أن تدخل الحمام وحدها وكان علي مقربة منها تحسباً لأي شئ ثم تذكر غطاء السرير الملطخ بالدماء فنزعه سريعاً و وضع غيره وبدل ملابسه وارتدي جلباب الصباحية وذهب يطرق عليها فقد إستأخرها فخرجت و تكاد تقع فأسندها حتى وضعها في السرير.

أحضر ورقة وكتب فيها سريعاً ثم فتح الباب قليلاً لأخيه وكان يظنه وحده.
وما أن فتح الباب حتي عانقه أخيه بشدة.
قاسم :صباحية مباركة يا عريس.

علي:خد هات العلاج دي بسرعة.

وهنا تدخلت أمه:علاج إيه يا علي ؟ فين عروستك ؟! في ايه ؟؟؟

وجاءت منال من خلفها و دفعت الباب على مصراعيه فوجدوا راضية في سريرها فاقدة للوعي.

حسنى وهي تضرب على صدرها :مرتك مالها يا علي؟؟

كان علي واجماً يفكر في سبب منطقي يقوله لكن لحظات و وجد الجميع داخل حجرته يطوفون بها.

نظرت منال نحو صينية العشاء فوجدت الطعام بكامله فقالت:واااه !!! الوكل لساته بحاله !  للدرجة دي مافضيتوش تاكلوا !

وجلست حسنى بجانب راضية على السرير بينما سارت أسماء من جانب السرير الآخر لتجلس فوجدت فراش سرير آخر ملقى على الأرض و ملطخ بالدماء.
فقالت :وااااه!! دم مين دي ياواد عمي؟؟؟

فانتفض الجميع ذاهب لحيث تقف أسماء.
فرد علي بإرتباك شديد:أ أ أ... أصل... أصل... راضية نزفت و.....

قاسم :هو البعيد غشيم للدرجة دي ؟!  ما جولتلك و وعيتك وسايبها تتصفي إكده !

علي:إديتها حجنة ، بس هي محتاجة لمحاليل عشان نزفت كتير ، وكيف ما واعيين ما درياناش بحالها.

حسني:هم يا جاسم بسرعة جبل ما أهلها والناس ماياجوا ، وإنت ياعلي حطلها السخامة دي ف حتة مدارية ماحدش م الحريم يشوفها ما عايزينش فضايح !

وهمت منال بالخروج فهمست لها أسماء:علي فين ؟

منال:علي صباحية أختي ، ربنا نجاها ودخلت عشية وكله تمام ، لما يجيلكم خبر المدعوجة دي إبجو شيعولي.

أسماء :تفي من خاشمك ، ايه اللي عتجوليه دي؟؟

منال:يا شيخة.
وانصرفت.

ونكمل الحلقة الجاية ،
NoonaAbdElWahed

(8)

         (بقلم : نهال عبد الواحد )

إنصرفت منال وبعد قليل جاء قاسم بالعلاج وعلّق علي لراضية محلول بعد محلول وحقن عدة حقن إليها و بعد مرور بعض الوقت بدأت راضية تستعيد وعيها فغادر الجميع الحجرة وظل علي فقط معها.

فتحت عينها تنظر حولها تحاول أن تستوعب ما حدث و تتذكر ثم جلست فجأة و هي تجد علي أمامها ثم تذكرت ما حدث وما فعلت بالأمس.

علي: حمد الله على سلامتك !

راضية وهي تحاول أن تعتدل في جلستها :الله يسلمك ،  تشكر على تعبك معاي ، و آسفة عل إزعاج.

علي:آسففففففة !!! أصرفها منين آسفة دي ؟؟!! كسرتي فرحتي و جليتي بجيمتي وخلتيني أضطر أكدب على آخر الزمن جدام أهلي عشان الفضايح .

راضية :كسرت إيه ؟! كسرت فرحتك !!! إنت كنت فرحان بجوازك مني أساساً ؟؟؟؟
يا راجل جول حديت غير دي ، إحنا متغصبين على بعض وإنت ماكنتش فرحان ولا حاجة ، ده إنت ماجدرتش حتى تطلع في لا جبل سابج و لا يوم الدهب ولا حتى عشية ، ماجدرتش ترفع الطرحة وتطلع في حتى حب إستطلاع ، شيلتني وحطتني وما نطجتش بولا كلمة ،  فضلت جاعدة إهني زيادة ع الساعة ولا نطجت بحرف إلا لما أمك نادمت عليك وجالتلك خلص ،  فجيتلي عشان تدوس ع الزرار ونخلص ، لكن كيف نسيت إنك بالنسبة لي غريب ؟ كيف تكون غريب عني وكيف...؟!! وتجولي كسرت فرحتك ، لا فرحتي هي اللي إتكسرت ،  فرحة كل بنتة بليلتها و فستانها و عريسها اللي ما حسيتش بولا حاجة منيها ،  يمكن حسيت شوي لما إطلّعت لنفسي بالفستان لكن إنت والحمد لله رجعتني كيف ماكنت ، جبل ما تحاسبني وتعلجلي المشانج ، حاسب نفسك الاول.

كان علي واجماً و مصدوماً من كلامها اللازع له وجرأتها تلك التي لم يتوقعها أبداً.

وبعد قليل صوت طرق علي الباب و صوت كريمة تنادي عليها :يا راضية ، يا راضية.

ففتح علي لها فدخلت تزرغد كثيراً وخلفها صالح وعبد الرحمن فسلموا على العروسين وعانقوا راضية بشدة وباركوا لهما فاستأذن علي و دخل الحمام وفتح الماء فوق رأسه في الحوض يحاول أن يفيق من صدمته.

أما راضية فجلست على الأريكة ترسم ضحكات مزيفة على وجهها وعلي جانبيها والدها و أخيها.
صالح:مبروك يا بنيتي ، ربنا يسعدك يا حبيبتي !

عبد الرحمن :ليكِ وحشة يا بت ، معجول فراج ليلة واحدة يعمل فينا إكده أمال العمر كله ايه ؟! ألاجي دلجيتي مين أتناجر وياه و ألطشه إكده ؟

وخبطها في ذراعها المصاب فإنتفضت من مكانها وصرخت صرخة إنتبه إليها علي وهو في الحمام فأغلق الماء وجفف شعره و خرج مسرعاً.

عبد الرحمن بقلق:دراعك ماله ؟ في إيه ؟؟

وهو يتحسس ذراعها وهي تجذبه نحوها.

عبد الرحمن :ماتردي.

ثم رفع كمها عنوة لأعلى حتى رأى ذراعها مربوطا فوجم علي و راضية دون أي رد.

صالح :حد فيكم يجول في ايه ؟؟

راضية:أصل ،أصل ، إتخبطت و إتعورت وعلي خيطهالي.

عبد الرحمن:هو أنا ليه حاسس إنك عاملة عاملة مجندلة ؟؟!!

صالح:حصل إيه ؟؟

علي:ما حصولش حاجة.

عبد الرحمن:يعني إيه ؟؟؟

علي:لما ينجال ف الصباحية ما حصولش حاجة يبجي إيه ؟! بنتكم إتمنعت وأنا ماهغصبش عليها.

صالح:إيه الكلام دي يا راضية ؟!صوح اللي عيجوله ؟

فهزت رأسها بأن نعم وقبل أن تنطق بحرف آخر كان أخيها قد خلع نعله و أخذ يضرب فيها وهو يقول : تتمنعي على جوزك يا بت المركوب ،  يا خرببت أبوكي عتفضحينا ، إنتِ فاكرة نفسك إيه ؟! عايزة الناس تاكل وشنا  ؟!

علي:بزيادة ياعبده ما عايزينش فضايح ، أهلي مايعرفوش حاجة.

عبد الرحمن :سيبني أربيها الجزمة بت الجزمة دي.

علي:خلاص يا عبده بزياداك.

وجذبه وخرج  الثلاث رجال و راضية واجمة مما حدث و لا تصدق نفسها.

كريمة:معلهش ،  معلهش ، بس إيه اللي عملتيه دي ؟! في واحدة تتمنع على جوزها ليلة دخلتها ؟!صعيبة جوي دي !

راضية:دي راجل ماعرفوش ،  دي راجل غريب عني.

كريمة:لايميها يا راضية ، أبوكي و أخوكي عرفوا وما عيسكتوش واصل.

راضية:ماعادش يهمني ؛ لما أخوي على آخر الزمن يمد يده علي وجدام أبوي والغريب كماني وأبوي ما يجولش حاجة يبجي خلاص ، عيعملوا ايه يعني ؟! عيموتوني ولا عيدخلوه علي بالعافية ؟؟!!!

كريمة:يا بت الناس...

وهنا دخلت حسنى :حمد الله علي سلامتك يا عروسة ، معلهش يا كريمة جهزيها إكده وحطيلها حبة أحمر يداري الصفار دي ، ومعلهش كماني إبجي إغسلي فرش السرير و الفستان م الدم اللي فيهم.

كريمة:دم ....دم ايه ؟؟

حسني:هي ما جالتلكيش؟! أصلها يعني نزفت عشية ما تزعليش يا راضية ، والله علي طيب وحنين بس ...يعني... معلهش ، الناس  بدت تاجي لما أنزلهم ما تتأخروش.

وخرجت حسنى.

كريمة :إنتو مفهمين الولية ايه ؟

راضية:هي اللي فهمت وحديها.

كريمة:وبعدهالك يا بت الناس ؟! موضوع زي دي ما هيستخباش كتير.

راضية:بزياداك حديتك دي ، خلصي.

وبالفعل زينتها كريمة و خرجت بها للضيوف وهي تجلس ناحية ذراعها المصاب حتى لا تصدمها إحداهن.

ظل الناس يتوافدون للمباركة و إهداء النقطة حتى إنتهى اليوم وأدخلتها كريمة و سلمت عليها و تركتها.

مرت عدة أيام كانت راضية لا تخرج من حجرتها فالظاهر للجميع أنها عروس أما الحقيقة أن علي منعها من النزول حتى تبرأ تماماً.

وبعد عدة أيام من المتابعة و التغيير على الجرح قد شُفيت تماماً وكان ذلك آخر عهده بها.

وبدأت راضية تأخذ دورها في أعمال المنزل مع منال وأسماء و كانت راضية أفضلهن تماماً من حيث النظافة و الإتقان فقد كانت ربة منزل وطباخة ماهرة من الدرجة الأولى فكان يومها في الطبخ أو الخبيز يوماً مميزاً و من يعهد أن يأكل من يدها لايستطيع تذوق غيره.

وكل ذلك جعلها تدفع ثمن مهارتها إذ بدأ يداد نصيبها من أعمال البيت شيئاً فشيئاً حتى صارت تفعل كل شيء بدون مبالغة من خبيز وتنظيف وطبيخ و غسيل.

كانت تستيقظ من قبل الفجر وتداوم عملاً حتى الليل وتعود حجرتها ليلاً تتحمم وتدخل سريرها وتغط في سبات عميق من كثرة تعبها.

ولم يكن ذلك كله فحسب بل بدأ ينحرف مؤشر معاملتهم لها لأسفل حتى تحولت من إحدى أفراد الأسرة إلى خادمة بلقمتها.

ربما لم تعترض راضية في البداية لأنها تود أن تشغل حالها عما هي فيه من عيشة مع شخص لا تريده خاصة وأن علياً لم يحتك بها من يومها لا بخير ولا بشر.

ونكمل الحلقة الجاية ،
NoonaAbdElWahed
                                   
(9)

       (بقلم : نهال عبد الواحد )

كانت راضية قليلة الكلام معهم لكنها كانت تتابع علي وكيف هي طيبته و أخلاقه مع أمه و إخوته !!!! وكيف هي رقته و لطفه مع أبناء إخوته!!!!
فبدأت تعجب به شيئاً فشيئاً فقد أعجبت بذاته و شخصيته وكل أفعاله و يزداد إعجابها به يوماً بعد يوم لكن كل شيء بصمت وعن وبعد فلم تنسى أبداً أنه مغصوب في تلك الزيجة فلا يرغب بها ولا يطيقها.

أما هو فكان متابعا لها أيضاً فصار لا يستطيع تذوق أي طعام إلا من يدها ولا حتى لقيمة خبز إلا من صنع يدها وذلك يزيد حبها في قلبه.

كان يشفق عليها كثيراً من كم أعمالها الشاقة التي تكلف بها وحدها ،  وكيف تحتفظ بحسن معاملتها و أدبها و طيب لسانها خاصة مع أمه وإخوته وأبناء إخوته فيزداد عشقه لها.

كان يراها تغط في نوم عميق من شدة التعب و الإرهاق فكان يجلس أحياناً بجوارها وهي نائمة يتأمل ذلك الوجه الحسن و يملأ عينه منها لكنه يتذكر أنها لا تريده و قد قالتها له صراحة ،  فيذهب بعيداً عنها دون فائدة ، لكن يكفيه أن يكون وجهها آخر ما تراه عينه كل يوم وهو نائم أمامها علي تلك الأريكة.

لا تحارب بناظريك فؤادي
فضعيفان يغلبان قوياً
إذا ما رأت عيني جمالك مقبلا
وحقك يا روحي سكرت بلا شراب
كتب الدمع بخدي عهده
للهوى و الشوق يملي ما كتب
أحبك حُبين حب الهوى
وحباً لأنك أهل لذلك
رأيت بها بدراً على الأرض ماشيا
ولم أر بدراً قط يمشي على الأرض
قالوا الفراق غداً لا شك فيه قلت لهم
بل موت نفسي من قبل الفراق غداً
قفي و دعينا قبل وشك التفرق
فما أنا من يحيا إلي حين نلتقي
                        (نزار قباني)

مرت شهور على ذلك الحال ومنذ عرس راضية ولم تخرج من باب البيت أو ترى شكل الشارع حتى أهلها فمنذ يوم الصباحية و لم يزورها سوى كريمة تجلس معها القليل من الوقت ثم تمضي.

وكانت لم تستطع طلب زيارة أهلها من علي فبأي وجه تطلب منه أي شيء.

وذات مساء وكانت كريمة تزورها وقد وضعت حملها و وجدت راضية باهتة اللون وفاقدة الكثير من وزنها بسبب العمل الشاق وقلة الطعام فلم يكن لديها وقت للأكل.

وفي حجرة راضية.

راضية:والله يا كريمة ليكِ وحشة  ، إتوحشتك يابت.

كريمة:وإنتِ كماني ، مع إني واخدة على خاطري منيكِ لا روحتي و لا جيتي عشية ما ولدت.

راضية بتنهيدة :ماانت عارفة اللي فيها ، هه جبتي إيه؟؟؟

كريمة:جبت محمود.

راضية:الله أكبر الله أكبر ربنا يحميه ! عمته نفسها تشوفه.

كريمة:المرة الجاية إن شاء الله ، المهم انت كيفك ؟ وكيف أخبارك ؟؟؟؟

راضية :نحمد الله.

كريمة:ما باينش  ؛ خسيتي وعديمتي و وشك بجي كد اللجمة ، شكلك شجيانة مع العالم دول.

فلم ترد عليها واكتفت بتنهيدة.

كريمة:طب كيف حالك إنتِ و علي؟

راضية:مفيش جديد.

كريمة:واااااه !!! كيف ؟؟؟؟ ما عيباتش إهني ولا ايه ؟

راضية:لا بياجي ويبات إهني.

كريمة:طب كيف يبجي معاه جمرة زييكي و... يبجي مفيش جديد ؟؟؟!!!!

راضية:شكل الجمرة دي ف عيونكم وحديكم.

راضية:وبعدهالك يا بت الناس ؟! أمال متحملة العيشة دي ليه وكيف ؟؟؟

راضية:علي طيب راجل بحج و حجيج،  يستاهل الواحدة تتحمل عشانه أي شي.

كانت راضية تتحدث وعينها لامعة و وجهها صافي ومشرق.

فإبتسمت كريمة قائلة :واااااه!!!!  وايه كماني ؟؟؟؟ كنك حبتيه يا بت ؟؟

فسكتت راضية.

فأكملت كريمة :طب وبعد ما حبتيه ؟؟!!

راضية:ما عيهمنيش ، المهم إني جريبة منيه وبشوفه كل يوم.

كريمة:لا والله !  يا مثبت العجل !!!!  على مين الحديت دي ؟ دي حديت أفلام و حكاكيو وبس.

راضية:ليه عاد ؟؟؟؟هو ما ينفعش الواحدة تحب جوزها وتعشجه ؟

وتوقفت فجأة ! لقد قالتها صريحة ، لقد أعلنت حبها و عشقها له.

كريمة:مش لما يبجي جوزها ؟؟؟

راضية:أمال هو ايه ؟؟!!!

كريمة :لحد دلجيتي ولا شيء.

راضية:ما هتبطليش رط ف الحديت دي ،  الحديت دي جدم و ماعادش حد يتحدد فيه.

كريمة:بس في حديت تاني لزمن تعملي حسابك عليه عيتفتح عيتفتح.

راضية:حديت ايه ؟؟؟

كريمة:الخلفة يا بت عمي ، كيف تتجوزي من كام شهر و ما تبجيش حبلى ؟؟؟

راضية:إتدبيتي ف عجلك يا ولية ؟! هبجي حبلى إزاي ؟؟؟!!!

كريمة:لما حماتك تسألك السؤال دي عتجولي ايه ؟؟؟
فسكتت.

فأكملت:بصي يا حبيبتي إسمعي حديتي زين وإعجليه ، مادام ليه مكان ف جلبك يبجى الموضوع  بجى أسهل.

راضية:ماعينفعش يا كريمة ،  دي واحد ما طايجنيش ، لا بيتحدد معاي ولا حتى كلام الدنيا ،  أهي إنجفلت بضبة و مفتاح.

كريمة:شدي حيلك انت بس ، ومعلهش اتنازلي شوي.

راضية:وكل اللي أنا فيه دي مش تنازل ؛ عايشة كيف الخدام ، ما حدش بيعبرني ، حتى إنتو جاطعتوني كنكم ما صدجتم و خلصتم مني.

كريمة:يابت افهمي ،   تعالي علي نفسك بينك وبين جوزك.

راضية:ما عقدرش يا كريمة ، حبي ليه مخليني أتحمل كل السواد دي ،  لكن لو جربت و مالاجتوش  يُبجى الموت أحسن ما عتحملش.

كريمة:ربنا يهديكي يا خيتي وأسمع عنيكي كل خير ،  يا دوب الحج أمشي.

راضية :ما تتأخريش علي يا كريمة.

كريمة:حاضر من عيني ،  عايزة آجي المرة الجاية ألاجي أخبار زين إكده.

وتعانقتا وانصرفت كريمة وذهبت راضية لتكمل ما بقي لها من أعمال حتى أنهت وإنتهت وذهبت لغرفتها فوجدت علي نائماً في السرير على غير عادته ،  لكن يبدو عليه أنه قد نام منهكاً تعباً حيث أنه لا زال بملابسه وحذائه وبدون غطاء.

ذهبت نحوه وخلعت له حذائه و جوربه و رفعت رجليه على السرير وغطته ثم دخلت الحمام وتحممت و خرجت لفراشها ، و لأول مرة منذ أن جاءت إلى هنا تنام ويكون علي بجوارها.

جلست في السرير وقد أضاءت ضوءاً خافتاً وكانت تنظر نحو علي و تتأمل ملامحه وهو نائم وتتمنى لو تدخل في حضنه الآن لكنها لا تجرؤ أبداً ولا تستطيع توقع رد فعله ... و بعد فترة ذهبت في النوم.

تأخرت راضية في نومها اليوم واستيقظ علي وتفاجأ بأنها بجواره وقريبة منه فإبتسم و أسعده ذلك كثيراً لكنه سرعان ما عاد فهذا ليس دليل على أي شيء.

وذهب على لصلاة الفجر وعاد من المسجد والنهار بدأ يتنفس و قد وجدها لا تزال نائمة على غير عادتها فخشى أن يكون قد ألمها سوء ،  فتلمس جبهتها فلم يجدها محمومة ، فهدأت نفسه وتركها نائمة فهو يعلم كم تتعب وتكد طوال اليوم وجلس بجوارها يتأملها فلازال لديه وقت قبل أن يذهب لعمله بالمستشفى.

وبعد أن أشرقت الشمس واستيقظت حسني وذهبت تتفقد ما قد فعلته راضية فلم تجد شيئاً و وجدتها لازالت نائمة فغضبت منها وإتجهت لغرفتها تضرب الباب بقوة وتنادي عليها بصوت عالي وشديد.

حسني:إنتِ يا راضية ، إنتِ يا اللي مرجودة ،  ما تجومي ، إيه ناموسيتك كحلي ! جومي جامت جيامتك !

إستيقظت راضية مفزوعة على صوت حسنى فوجدت علي بجوارها جالساً و ضوء النهار قادم من النافذة فضربت صدرها وقالت :يا سوادي ! راحت علي نومة.

فإنتفضت وكان علي قد فتح الباب ودخلت حسنى فوجدتها في السرير.

حسنى:جرى إيه يا هانم ؟ لسه مرجودة لحد دلجيتي  ! فزي.

راضية:والله يا مي راحت علي نومة ، غطست مااعرفش كيف.

حسنى:طبعاً ، ما ضيعتي وجتك مع بت عمك وخلصتي شغلك وخري ،  فزي جومي يلا.

فإنتفضت من مكانها ثم نظرت لعلي قائلة :صباح الخير يا علي.

ولم يصدق علي مايسمعه فتلك المرة الأولى التي تحدثه وتنطق إسمه فرد:صباح النور.

ونكمل الحلقة الجاية ،

NoonaAbdElWahed
                                       

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حصريات سحر الروايات: أين أنس؟ للكاتبة سارة عصام

سحر الروايات تكتب: قتيلة قاع المدنية للكاتب جمال حلمي

حصريات سحر الروايات: أرض كرچبلاتك للكاتبة فرح عمرو حسن