قصة قصيرة- أكان مؤلمًا- بقلم رنين وائل محمد - مجلة سحر الروايات
أكان مؤلمًا؟ •|قصة قصيرة|•
نبذة:
"أتعرف ما هو الشعور الأكثر إيلامًا في العالم؟ هو أن تتألم دون أن تجد من يُخفف عنك الألم"
البداية:
_«أخبريني، أكان مؤلمًا؟»
ابتسمت الأخرى بمرارة وقد تلألأت بعض العبرات بمُقلتيها، صمتت لثوانٍ وقد بدا أنها لم تهتم للسؤال أو تجاهلته من الأساس، لكن… أردفت فجأةً وهي تنظُر بـشرودٍ عميقٍ أمامها:_
«ماديًا… لا!»
_«ومعنويًا». بـاهتمامٍ تسائلت الأولى وقد تقدمت للأمام نحوها حتىٰ تسمعها بـشكلٍ أوضح، فـ أجابت المعنيه وقد ارتسمت نفس الإبتسامه المريرة علىٰ شفتيها، لكن.. لم تصل الإبتسامه لعيناها وقد لمع فيهما حُزنٌ دفين، مرير، وموجع للغاية، قائلةً:_
«نعم، وجدًا!»
_«صِفي لي ما شعرتِ به».
_«وهل للشعور أن يوصف في بضع كلمات؟»
_«صدقيني سأفهمك!»
لكنها أردفت مومئه نفيًا، وهي تكتم دموعها بـ القوة وتحبسها بين أهدابها غصبًا، مُردده بـ نبرةٍ مهزوزه:_
«لن يفهمني إلا من قاسىٰ هذا الشعور، لن تفهميني أبدًا، أبدًا!»
لكن الأخرى لم تمل ولن تفعل إلا حينما تجعلها تتحدث، يجب عليها أن تُخرج ما في قلبها، وتُشارك مُعاناتها مع أيً كان، حتىٰ تتخلص من حالتها هذه! وإلا ستبقيٰ هكذا إلى الأبد...
_«شاركيني أحزانكِ، علّكِ ترتاحين، من يعرف..»
_«وإن لم أرتحْ؟ ماذا سيحدث؟»
فـ أجابت الأخرى وهي ترفع أكتافها للأعلىٰ بلا مبالاة:_
«لن تخسري شيئًا».
فـ همست هي بـ خفوتٍ وقد بدأت تشرد مرةً أخرى:_
«معكِ حق… لن أخسر شيئًا، فـ كل ما خسرته كان في ذلك اليوم… الذي قد انتهت فيه حياتي، وكُتبت نهايتي المأساوية فيه…..
كُنتُ طفلة وقتها… طفلة كُل ما ترغب به هو بعض الدمى الجديدة، وتناول الحلوى والسكاكر كل يوم، لم أكن أرغب في أكثر من هذا، طموحي كان بسيطًا للغاية، حتى عائلتي، كانت طموحاتها بسيطة، لم تُفكر أبدًا في الثراء، لم تُفكر في جمع المال، لم تُفكر إلا في المحافظة على أسرتنا الصغيرة، وملابس أخي الذي كان سيُولد وقتها… لكن أتعرفين ماذا؟ _ رفعت وجهها بعينيها الدامعتين تنظُر للأخرى وقد تكابد الحُزن وتراكم أكثر في سوداويتيها قائلة بخنقة _ لقد إرتاح أخي من هذه الحياة، كان أفضل له الموت على ألا يُنجب في مُجتمعٍ مُدمر، ووطنٍ مسلوبٍ، وحياةٍ بائسةٍ ومريرة، إرتاح الجميع… وتركوني هنا أعاني، أكابد على حزني، وأتحمل الهم وحدي، في بعض الأحيان أفكر ما إن كُنتُ أستحق هذا، أو إن كنت قد قعلتُ شيئًا كي أستحق هذه النهاية البائسة! ولكن كيف أفعل…. وقد كُنتُ طفلة ولازلت! نعم _ نظرت للأسفل وقد أطلقت سراح عبراتها كي تنساب بخفةٍ من بين أهدابها على وجنتاها، تتشنجُ من حينٍ لآخر، وتصمُت من حينٍ لآخر _ لازلتُ طفلة سُلِبَت برائتها غصبًا، لم أختر هذه الحياة أبدًا، ولو كان الإختيار على عاتقي لاخترتُ عدم الوجود أبدًا في هذا العالم المُوحِش، حتىٰ لا أعاني ما أعانيه أنا الآن، حتىٰ لا أصبح ما أنا عليه أنا الآن….. أكره نفسي، وأكره حياتي، وأكره ظروفي القاسية والتي أجبرتني على التحول إلى شخصيتي هذه! لم أكن أريد هذا، ولم أرغب به ابدًا، فـ لماذا يُجبرني العالم عليه؟ لماذا لم يكُن أحدًا غيري؟ لِمَاذا لم يكُن أحدٌ غيري… ويستحق، لكني والله لا أستحق…
إن كان هذا العقاب لأنني طلبت من والدي دميةً جديدةً فـ لا أريدها، وإن كان لأنني طلبت منه أن يجلب لي الحلوة في عيد الفطر فأنا لم أعُد أحبها، لكني لا أريد حياتي… لا أريد أن تستمر مُعاناتي هذه، رجاءًا أعيدوا لي ما سلبتموه مني، أعيدوا لي طفولتي المُغتصبه، أعيدوا لي وطني المهجور والذي إستوطنتموه غصبًا، أعيدوا والديَّ والذانِ شاهدتهما وهما يُحرقان بنيرانٍ أنتم من أشعلها، نيران الحرب…. نيران العِداء والكراهية، أعيدوا لي أخي الصغير… والذي كان سيُصبح لي سندًا إن إشتدت عليّ الأزمات، ودعمًا إن انهرتُ كما أنا الآن…. كيف سأعيش الآن هاا؟ كيف فقط أخبروني كيف؟ لا تتركوني هنا أتساءل ثُم ترحلون وكأن شيئًا لم يكُن، أخبروني فقط، كيف حال ضميركُم؟ هل لازال حيًا؟ لا أخبروني كيف تسير حياتكم؟ اتسير بـ شكلٍ جيد؟ اتنامون دون الحاجة لمُهدئات؟ أتنامون طوال الليل دون الاستيقاظ فزعين بسبب كابوسٍ سئ… أو حتى بسبب الوحده!… كيف.. كيف.. كيف.. فعلتم هذا…؟»
ظلت تُردد كلماتها وهي لا تعرف ما تقول وقد دخلت في حالة هيستيريا، ولكن الطبيبة ما إن وجدتها هكذا حتىٰ أمسكت بحقنةٍ كانت جهزتها في يدها مُسبقًا إن حدث شئ، لتحقنها بذراعها الأيمن ثُم تحملها وتقوم بإرخاء جسدها على الفراش، فـ تسترخي الفتاة معها عليه، ثُم تُغمض عينيها باستسلامٍ وهي تُتمتم آخر كلماتها والتي كانت:_
«أمي، أبي… فقط عودا لي، لا أريد أكثر من هذا!»
فـ ابتسمت الطبيبة وقد بدأت دموعها تنساب على وجهها، حديث الفتاة أثار بها حُزنًا عميقًا، وأشعرها بمدىٓ ألمها، ومدى ما عانته طوال فترة حياتها السابقة والتي لم تتعدى "العشرين عامًا"، قد شعرت بها فعليًا، وشعرت بألمها الكبير والذي انبعث من حديثها، لـ تُغمغم بخفوتٍ وهي تمسح على وجهها تُهدهدها كـ الأطفال:_
«نامي يا قُدس، نامي وارتاحي، نامي وكُفِّ عن حُزنك هذا واصمدي، فـ لن ينفعكِ أحد!»
"لا بأس إن تألمت قليلاً وأنت وحدك، حتى لا تجد من يقول لك: «كُنت أتألم ولم تكُن بجانبي!» وحتىٰ لا تُضطر للتنفيث عن ألم أحد والوقوف بجانبه، من الذي ساعدك بالأساس كي تفعل؟"
بقلم: "رنين وائل محمد"
نبذة:
"أتعرف ما هو الشعور الأكثر إيلامًا في العالم؟ هو أن تتألم دون أن تجد من يُخفف عنك الألم"
البداية:
_«أخبريني، أكان مؤلمًا؟»
ابتسمت الأخرى بمرارة وقد تلألأت بعض العبرات بمُقلتيها، صمتت لثوانٍ وقد بدا أنها لم تهتم للسؤال أو تجاهلته من الأساس، لكن… أردفت فجأةً وهي تنظُر بـشرودٍ عميقٍ أمامها:_
«ماديًا… لا!»
_«ومعنويًا». بـاهتمامٍ تسائلت الأولى وقد تقدمت للأمام نحوها حتىٰ تسمعها بـشكلٍ أوضح، فـ أجابت المعنيه وقد ارتسمت نفس الإبتسامه المريرة علىٰ شفتيها، لكن.. لم تصل الإبتسامه لعيناها وقد لمع فيهما حُزنٌ دفين، مرير، وموجع للغاية، قائلةً:_
«نعم، وجدًا!»
_«صِفي لي ما شعرتِ به».
_«وهل للشعور أن يوصف في بضع كلمات؟»
_«صدقيني سأفهمك!»
لكنها أردفت مومئه نفيًا، وهي تكتم دموعها بـ القوة وتحبسها بين أهدابها غصبًا، مُردده بـ نبرةٍ مهزوزه:_
«لن يفهمني إلا من قاسىٰ هذا الشعور، لن تفهميني أبدًا، أبدًا!»
لكن الأخرى لم تمل ولن تفعل إلا حينما تجعلها تتحدث، يجب عليها أن تُخرج ما في قلبها، وتُشارك مُعاناتها مع أيً كان، حتىٰ تتخلص من حالتها هذه! وإلا ستبقيٰ هكذا إلى الأبد...
_«شاركيني أحزانكِ، علّكِ ترتاحين، من يعرف..»
_«وإن لم أرتحْ؟ ماذا سيحدث؟»
فـ أجابت الأخرى وهي ترفع أكتافها للأعلىٰ بلا مبالاة:_
«لن تخسري شيئًا».
فـ همست هي بـ خفوتٍ وقد بدأت تشرد مرةً أخرى:_
«معكِ حق… لن أخسر شيئًا، فـ كل ما خسرته كان في ذلك اليوم… الذي قد انتهت فيه حياتي، وكُتبت نهايتي المأساوية فيه…..
كُنتُ طفلة وقتها… طفلة كُل ما ترغب به هو بعض الدمى الجديدة، وتناول الحلوى والسكاكر كل يوم، لم أكن أرغب في أكثر من هذا، طموحي كان بسيطًا للغاية، حتى عائلتي، كانت طموحاتها بسيطة، لم تُفكر أبدًا في الثراء، لم تُفكر في جمع المال، لم تُفكر إلا في المحافظة على أسرتنا الصغيرة، وملابس أخي الذي كان سيُولد وقتها… لكن أتعرفين ماذا؟ _ رفعت وجهها بعينيها الدامعتين تنظُر للأخرى وقد تكابد الحُزن وتراكم أكثر في سوداويتيها قائلة بخنقة _ لقد إرتاح أخي من هذه الحياة، كان أفضل له الموت على ألا يُنجب في مُجتمعٍ مُدمر، ووطنٍ مسلوبٍ، وحياةٍ بائسةٍ ومريرة، إرتاح الجميع… وتركوني هنا أعاني، أكابد على حزني، وأتحمل الهم وحدي، في بعض الأحيان أفكر ما إن كُنتُ أستحق هذا، أو إن كنت قد قعلتُ شيئًا كي أستحق هذه النهاية البائسة! ولكن كيف أفعل…. وقد كُنتُ طفلة ولازلت! نعم _ نظرت للأسفل وقد أطلقت سراح عبراتها كي تنساب بخفةٍ من بين أهدابها على وجنتاها، تتشنجُ من حينٍ لآخر، وتصمُت من حينٍ لآخر _ لازلتُ طفلة سُلِبَت برائتها غصبًا، لم أختر هذه الحياة أبدًا، ولو كان الإختيار على عاتقي لاخترتُ عدم الوجود أبدًا في هذا العالم المُوحِش، حتىٰ لا أعاني ما أعانيه أنا الآن، حتىٰ لا أصبح ما أنا عليه أنا الآن….. أكره نفسي، وأكره حياتي، وأكره ظروفي القاسية والتي أجبرتني على التحول إلى شخصيتي هذه! لم أكن أريد هذا، ولم أرغب به ابدًا، فـ لماذا يُجبرني العالم عليه؟ لماذا لم يكُن أحدًا غيري؟ لِمَاذا لم يكُن أحدٌ غيري… ويستحق، لكني والله لا أستحق…
إن كان هذا العقاب لأنني طلبت من والدي دميةً جديدةً فـ لا أريدها، وإن كان لأنني طلبت منه أن يجلب لي الحلوة في عيد الفطر فأنا لم أعُد أحبها، لكني لا أريد حياتي… لا أريد أن تستمر مُعاناتي هذه، رجاءًا أعيدوا لي ما سلبتموه مني، أعيدوا لي طفولتي المُغتصبه، أعيدوا لي وطني المهجور والذي إستوطنتموه غصبًا، أعيدوا والديَّ والذانِ شاهدتهما وهما يُحرقان بنيرانٍ أنتم من أشعلها، نيران الحرب…. نيران العِداء والكراهية، أعيدوا لي أخي الصغير… والذي كان سيُصبح لي سندًا إن إشتدت عليّ الأزمات، ودعمًا إن انهرتُ كما أنا الآن…. كيف سأعيش الآن هاا؟ كيف فقط أخبروني كيف؟ لا تتركوني هنا أتساءل ثُم ترحلون وكأن شيئًا لم يكُن، أخبروني فقط، كيف حال ضميركُم؟ هل لازال حيًا؟ لا أخبروني كيف تسير حياتكم؟ اتسير بـ شكلٍ جيد؟ اتنامون دون الحاجة لمُهدئات؟ أتنامون طوال الليل دون الاستيقاظ فزعين بسبب كابوسٍ سئ… أو حتى بسبب الوحده!… كيف.. كيف.. كيف.. فعلتم هذا…؟»
ظلت تُردد كلماتها وهي لا تعرف ما تقول وقد دخلت في حالة هيستيريا، ولكن الطبيبة ما إن وجدتها هكذا حتىٰ أمسكت بحقنةٍ كانت جهزتها في يدها مُسبقًا إن حدث شئ، لتحقنها بذراعها الأيمن ثُم تحملها وتقوم بإرخاء جسدها على الفراش، فـ تسترخي الفتاة معها عليه، ثُم تُغمض عينيها باستسلامٍ وهي تُتمتم آخر كلماتها والتي كانت:_
«أمي، أبي… فقط عودا لي، لا أريد أكثر من هذا!»
فـ ابتسمت الطبيبة وقد بدأت دموعها تنساب على وجهها، حديث الفتاة أثار بها حُزنًا عميقًا، وأشعرها بمدىٓ ألمها، ومدى ما عانته طوال فترة حياتها السابقة والتي لم تتعدى "العشرين عامًا"، قد شعرت بها فعليًا، وشعرت بألمها الكبير والذي انبعث من حديثها، لـ تُغمغم بخفوتٍ وهي تمسح على وجهها تُهدهدها كـ الأطفال:_
«نامي يا قُدس، نامي وارتاحي، نامي وكُفِّ عن حُزنك هذا واصمدي، فـ لن ينفعكِ أحد!»
"لا بأس إن تألمت قليلاً وأنت وحدك، حتى لا تجد من يقول لك: «كُنت أتألم ولم تكُن بجانبي!» وحتىٰ لا تُضطر للتنفيث عن ألم أحد والوقوف بجانبه، من الذي ساعدك بالأساس كي تفعل؟"
بقلم: "رنين وائل محمد"
تعليقات
إرسال تعليق