رواية- روح الفؤاد - الحلقات 11:13- بقلم نهال عبد الواحد - مجلة سحر الروايات
(روح الفؤاد)
الحلقة الحادية عشر
بقلم : نهال عبد الواحد
زادت شهرة روح وازداد الطلب على كل ما لذ وطاب مما تصنعه أناملها وبدأت تحقق ربحا كبيراً هي وأخيها حامد الذي لا زال مسئولا عن توصيل الطلبات وكل التعاملات مع الجمهور والزبائن ،كما صارا تجمعه بعض الصداقات بينه وبين بعضهم خاصة ممن يطلب مراراً.
وهكذا مر العام الأول على إنشاء تلك الصفحة وذلك المشروع الرابح الذي غير حياتهم سواء مادياً أو معنوياً خاصة بالنسبة إلى روح فقد صار هناك ما يشغلها و تفني فيه وقتها وتثبت فيه جدارتها وصار بالفعل موضوع نادر هذا صفحة قد قطعت ورميت في صندوق القمامة.
وذات يوم كان حامد يذهب بطلب لأحدهم ممن جمعت بينهما صداقة إلى حدما و وصل للعنوان المطلوب إذ وجده ينادي عليه من سيارته وكان يعتاد أن يقابله في أي مكان في الطريق ويمر عليه بسيارته فهو يعلم كم يلف نادر طوال اليوم في توزيع الطلبات وكان أحياناً يركب معه في سيارته ويقوم بتوصيله أو يقفان يتحدثان ، وها هو الآن صار لحامد سيارته التي يلف بها طوال اليوم في توصيل الطلبات.
توقف حامد والتفت ناحيته فنزل من السيارة شابا ثلاثيني أنيق للغاية متوسط القامة وتبدو عليه الوسامة ، له شعر قصير وذقن خفيف أو ربما بسبب لونها الفاتح هي وشعره فيعطي ذلك الإيحاء بقلة كثافتهما ، ولون عينيه التي تشعر وكأنها ملونة لكن هي بني فاتح ، فإتجه نحوه حامد يصافحه بحرارة.
- مرحباً ! هيا اصعد معي في المكتب فأنا أريدك في أمر ضروري.
فتبعه حامد وهو يردف: حسناً !!
وصعدا معاً بالفعل بالمصعد حتهي وصلا لمكتب فدخل الشاب أولاً ثم هم حامد أن يتبعه فلمح لافتة صغيرة بجوار الباب مكتوب عليها (مراد عزمي مخرج برامج) ثم دخل خلفه حامد وكان يبدو أنه ليس موعد العمل لأن المكتب لايزال فارغاً ، وجلس الإثنان.
فتسآل حامد بدهشة: معذرة في سؤالي ! هل أنت مخرج فعلاً ؟!!
فأومأ مراد أن نعم قائلاً بإبتسامة: أجل ! مخرج برامج تلفزيونية ومؤلف روايات ، ألم أخبرك من قبل ؟!!
- حقيقةً لا ، لكنه شرف كبير وفرصة سعيدة.
- أنا أسعد ، المهم كنت أريدك في أمر هام.
- تفضل.
- مطبخ روح الفؤاد.
- أجل ! ماذا بها ؟!! رغم أن الصفحة اسمها مطبخ روح.
- مطبخ روح الفؤاد هي فكرة برنامج جديدة أريد إخراجه وإنتاجه ، برنامج للطبخ.
- هل أنت تستأذن لتستخدم الإسم ؟!!
- ليس الإسم فحسب ، إني أطمع أن الجبارة التي تصنع كل تلك الأصناف هي من تقدمه ، وإحساسي يبشرني بنجاح البرنامج فعدد المتابعين لديكم سيفيد كثيراً في إرتفاع المشاهدات ونجاح البرنامج ، فالجميع لديهم فضول وأنا أولهم نود معرفة كيف تصنع روائع الطبخ تلك ، وهذا غير الفضول في التعرف عليها شخصياً.
فأومأ حامد بإعجاب ثم تابع: حسناً ! لكن برامج الطبخ كثيرة على الساحة كما أن هناك قنوات كاملة للطبخ.
فتابع مراد بعملية: أجل ! وهناك الكثير ممن يستفاد بحق من تلك البرامج ، لكن أكلكم هذا يحمل نكهة مصرية أصيلة ستعيد إلينا المطبخ المصري الجميل وتلك المرأة المصرية التي تطبخ بحب وبحالة مزاجية هادئة وليس مجرد واحدة تعيش على السوشي والأطعمة السريعة وكل ما شابهها ، فما أجمل ذلك الأكل الشهي ! بعض الملوخية ، فتة كوارع ، قطعة موزة ، طاجن عكاوي،.......
فضحك حامد وقال: كأنك جائع ؟!!! لكن مثل تلك الأطعمة لا يقبل عليها الكثير ، كأنك تحب تلك الأصناف ؟!!
فضحك مراد هو الآخر: هل تراني ( خواجة ) أجنبياً ؟!! كنت أعتاد علغي أكل مثل تلك الأصناف من يد أمي رحمها الله ومنذ وفاتها ولم أجد من يحسن صنعها كما أحببتها بمذاق يد أمي ، لكن أكلكم بالنسبة لي هو حالة خاصة لقد وجدت فيه بحق مذاق يد أمي ، أعلم أنك ستقول أنها تصنع الكثير من الأصناف الحديثة وبشكل متقن ورائع ، لكني أتحدث عن أصل ما أود تقديمه بالبرنامج ، أجواء مصرية للغاية.
فتنهد حامد بيأس ثم قال: لكني لا أعتقد أنها ستوافق أبداً.
فإتسعت عينا مراد بدهشة وتسآل: لماذا ؟!! كأني أقول أني سأعطيها دور في فيلم ! إنها ستطبخ عادي مثلما تطبخ في مطبخها ولن نختلف على أي شيء.
- وبمناسبة الأجواء المصرية ، يمكنك جعل الديكور الخاص بالبرنامج وأدوات المطبخ مصرية للغاية أيضاً.
- هيا سمعني واشجيني بأفكارك النيرة !! صحيح ، ما نوع تعليمك من أين تخرجت ؟
- تعليم عالي ، تخرجت من كلية الإعلام.
- لا والله ! إذن تلك فرصتك لتصبح معداً للبرامج ، ستصنع ملفا بأفكارك حول البرنامج وكل ما يخصه من أفكار للديكور والحلقات وبما يناسب طبعاً مقدمة البرنامج التي تعرفها أكثر مني.
فقال حامد متردداً: لكن......
فتابع مراد بإلحاح: أرجوك ! حاول إقناعها فهي مؤكد تحبك وستقتنع ، دللها يا حامد وخذها على قدر عقلها ، هكذا تعامل النساء فهن عاشقات لتلك الطرق وستصنع لك ماتريد بمنتهى السهولة.
فضحك حامد وقال: لكنها أختي أنا لست متزوج.
فضحك مراد هو الآخر وقال: المهم تقنعها ، أرجوك !
فرفع حامد كتفيه بقلة حيلة وتابع: سأحاول.
فتسآل مراد بلهفة: هه ! ماذا أحضرت لي اليوم ؟!!
فضحك حامد وقال: أنت الزبون الوحيد الذي تقول أكلوني على هواكم كما تريدون !!
- لم أعد مجرد زبونا بل نحن أصدقاء ، ثم إني قد وثقت فيما تقدموه إذن فلما أحدد الأصناف ؟!!! إني حتى أعتقد أنها إن صنعت بيديها سندويتش من الجبن والطماطم سيكون له مذاق خاص.
فهمس حامد في نفسه: إن سمعتك لعلقت رقبتك على باب زويلة !!
فضيق مراد عينيه وتسآل: ماذا تقول ؟!!
فإنتبه حامد إليه وقال متردداً: هه ! لا شيء ، أقصد أنها لم تصل لسندويتش جبن بالطماطم ، هذه مجموعة من المحشيات ومعها استيك لحم محمّر بالبصل.
فأهدر بإعجاب: واااااو رائع !! المهم أن يكون هناك ورق عنب معه ، فورق العنب من يديها له مذاق لا يقاوم.
فهمس مجدداً: أرى رقبتك تتدلى الآن ، ثم قال :اطمئن هناك طبق كامل مخصوص هدية لك فأنت لست بزبون عادي.
فأجاب مراد بإمتنان: أشكرك بشدة ، وتسلم يديها ، وأرجوك حاول إقناعها ! ولا تنسى ملف بأفكارك ، واطمئن ليس له علاقة بمدى قبولها للبرنامج.
سلم حامد عليه وغادره وهو يفكر يفكر والفكرة تلمع برأسه أكثر و أكثر و وصل للبيت في المساء و يحمل الكثير من المشتروات و وجد أخته تتمدد على الأريكة وتتأوه: آه ، آه ، وااااارجلاااااه التي فرمت ! وااااخصراااااه الذي انقسم ! وااااااظهراااااه الذي انكسر ! آااااااااااه يا كلي ! وا أبتااه ! وا أمااه!
فدخل حامد ويضع ما يحمله علي السفرة ويضحك بشدة ثم جلس وقال: ما هذا ؟!! ما مقطوعة الآهات والأوجاع تلك ؟؟!! ما الذي فعل بك ذلك ؟!
- عقب الإنتهاء من كل شيء وقفت ونظفت المطبخ بالكامل ، آااااااااااه ! وقد هلكت ، هيا انهض وكبّس ودلك ظهري ! هيا تعالي !
- ولماذا تهلكين نفسك هكذا ؟!! عندما تريدي التنظيف أخبريني وسأرسل لك من تنظف.
- لا أجيد الإمارة على الخلق ، هيا كبس كبس ، اخبط هنا ، نعم تمااااااام ، كم أتمنى أن أذهب لمكان ما وأستلقي هكذا وأجد من يدلك ويمسّج هكذا ، هيا اتقن ولا تتوقف !
- آه منك ياروح ومن جبروتك !! ولم لا أختي ؟!! حددي متى تريدين الذهاب وأنا سأذهب بك.
- كأنك قد صدقت !!!
- هل من تذهبن بفضليات عنك ؟!!
ثم جلس بجوارها و قال بتردد :روح ! أريدك في أمر ما ، أمر ضروري.
فاعتدلت تتأهب للإستماع له......................
NoonaAbdElWahed
(روح الفؤاد)
الحلقة الثانية عشر
بقلم :نهال عبد الواحد
- كنت أريدك في أمر هام !
قالها حامد بجدية وجلس جوار روح فاعتدلت تتأهب للإستماع له فقال: أتعلمين أنه قد نشأت بيني وبين بعض الزبائن صداقات خاصة ممن يتعاملون معنا بإستمرار.
فأومأت بسعادة قائلة: اللهم بارك !
- ومن بينهم شخص ما يعمل كمخرج ومبهور بصنع يديكي.
- إممممم ! هل يريد عمل وليمة ؟ لا مانع ، لكن عليه إخبارنا بالموعد من قبلها وإخبارنا بعدد المدعويين بالتقريب وإن كانت له ملاحظات في قائمة الأطعمة.
فأومأ برأسه أن لا وتابع: لا ليس الأمر هكذا !
فزمت شفتيها بعدم فهم متسآلة: إذن ماذا ؟!!!
- إنه يريد عمل برنامج جديد وعندما علم أني خريج إعلام طلب مني أن أكتب له أفكار البرنامج ربما تكون فرصتي لأكون معدا للبرامج.
فأهدرت بسعادة كبيرة: حمداً لله ، بالتوفيق أخي ، هذا العمل هو ما يليق بك ، ولا تشغل بالك بمن يقوم بتوصيل الطلبات يمكننا إستئجار شخص موثوق فيه نظير راتب ، كنت أنوي ذلك من قبل فأنت وحدك تهلك من كثرة التوصيل وربنا يبارك فالخير كثير.
فأومأ برأسه أن لا قائلاً: لا ياروح ، الأمر ليس كذلك ، أرجوكي دعيني أكمل كلامي !
فتابعت بتأفف: كأني أمسكت بلسانك ! هيا انطق وقل !
- ذلك العرض يتضمن أن تقومي أنت بتقديم البرنامج وسيسمى مطبخ روح الفؤاد وكونك من ستقدمه فهذا في حد ذاته سبب لنجاح البرنامج من قبل أن تذاع حلقاته .
فصاحت معترضة بحدة: ما هذا العبث ؟!! أتريدني أظهر في شاشات التلفاز وأقول سيداتي آنساتي ، بالطبع مستحيل ،لا يمكن.
- ولماذا ؟!! أنت لن تفعلي شيئاً غريباً عنك ، ستقفي في مطبخ و تطبخي فيه مثلما تقفي في مطباخك تماماً.
- لا لا ، لا يمكن.
وهنا رن جرس الباب وفتح حامد وكان أيمن وإيمان فدخلا وسلما ثم لاحظا أمراً ما بين روح وحامد فنظرا بينهما وتسآل بريبة: ماذا بكما ؟! كأنكما كنتا تتشاجران ؟!!!
فأومأ حامد برأسه أن لا متأففاً ثم قال: بالطبع لا ،كنت أعرض فكرة عمل جديد عليها ليس إلا.
فأردفت بحدة وتهكم: إنه يريدني أعمل مقدمة لبرنامج طبخ ، كأنه قد جُنَّ !
فصاح حامد: تتحدثين كأني أعرض عليكِ أن تعملي كراقصة في ملهى ليلي !!!
فتدخلت إيمان بهدوء: حقيقةً هي فكرة رائعة! فهل هناك وجه أجمل من وجهك ليقدم البرامج؟!!!
وتابع أيمن مستحسناً: وأنا أيضاً قد أعجبتني الفكرة.
فنهضت روح و وضعت يديها على خصرها وتابعت معترضة: عظييييم !! لقد اتخذتم جميعكم حزباً ضدي !
فتأفف حامد ثم قال: لماذا أنتِ قلقة عزيزتي ؟!! إنه رحل محترم وعلى خلق وأنت لن تفعلي شيئاً غريباً عنك ،ثم إني سأكون بصحبتك دائماً ، هه ! ما قولك ؟!
فتابعت روح متذمرة: ولنفترض أنه لم يعجبني ذلك المكان و لا أولئك الناس ؟!
أجابها أيمن: في رأيي هي فرصة حقيقية لك .
وأومأت إيمان مؤيدة وتابعت: وهذا رأيي أيضاً .
أشارت روح إلى إيمان قائلة: بالمناسبة ، إيمان قد أعددت كل ما طلبتيه وكل شيء على ما يرام.
فصاح حامد بغيظ وهو يضرب كفاً بكف: يا إلهي ! ماذا نقول وبماذا تجيب ؟!!
قالت إيمان: دعينا من أمر الطلبات الآن سآخذها معي بعد قليل ، و لنكمل موضوعنا.
تأففت روح وجلست مرة أخرى واضعة ساقاً فوق الأخرى تهزها بغيظ قائلة: وقد صار موضوعاً ؟!!!
إقترب حامد من أخته وربت على كتفيها بحنان وتابع يطمئنها: لا تخافي أختي ! وفي أي وقت تقرري التراجع لا تكملي فمصلحتك هي أهم شيء حتى وإن خسرت عملي هذا.
فأجابت روح على مضد: إذن دعني أفكر.
أيمن بضيق:يووووووووه !!!
أشار حامد لأخيه يهدئه وإلتفت إلى روح قائلاً: حسناً ياروح فكري كما تشاءين.
فأشارت روح لما أحضره حامد متسآلة: ما تلك الأشياء ؟!!
تنهد حامد وأجاب بجدية: صحيح ، كدت أنسى ،هذه هدية مني للأستاذ وستكون خارج الحساب ، أريد كل مواهبك في الغد يا روح ، وابدئي به قبل إعداد الطلبات.
- وماذا سأفعل ؟!!
هكذا تسآلت روح وهي تتفحص أكياس المشتروات، فنهض مقترباً منها يجيبها: فتة بالكوارع بطريقتك الخاصة وعليها صلصة (الشكمبة) ذات الخل والثوم ، عليقة ضأن اضبطيها تماماً ، طرب ، وأحلى طاجن عكاوي من أحلى يدين وطبعاً لا تنسي السلطات.
فزمت حاجبيها بدهشة وتابعت بإستخفاف: وهل هذا الأستاذ سيأكل كل ذلك الطعام ؟!!!
صاح حامد بمزحة: ماذا بك ياروح ؟!! كأن عينك في الطعام !
لكزته وهي تقول: بالطبع لا... ثم ضحكت وقالت:أقصد أن تلك الأصناف لا يفضلها الكثيرين.
- ليتك كنتِ رأيتيه وهو يحكي عنهم.
فضحكت ثم لاحظت نظراتهم المتعجبة فسكتت ولا تعلم لماذا ضحكت ولماذا سكتت ؟!!!!
وفي اليوم التالي بدأت روح بالفعل بتلك الأصناف وصنعتها على أحسن ما يكون ، ثم أخذ حامد الطعام وذهب به لمراد في مكتبه.
وما أن رآه مراد حتى هش له وبش واستقبله خير إستقبال ثم قال بإعجاب وهو ينظر لما أحضره: ما كل هذا ؟ هل قيل إني أقيم وليمة ؟! أم تراني شخصاً أكولا ؟!!
ضحك حامد قائلاً: هذا طلب مخصوص من أجلك ، لكنه هدية.
فإبتسم مراد وقال: حسناً سأقبلها لكن عليك مشاركتي في الطعام.
فأومأ حامد برأسه موافقاً وأردف: حسناً !!
وبدأ يفتح كل منهما الطعام فقال مراد: هل إنتهيت من أفكار البرنامج ؟!!
تلعثم حامد وأجاب بتردد: حقيقةً... نعم... لكن روح لازالت غير موافقة.
أومأ مراد وتابع بهدوء: أنا لا أساومك ، أنا بالفعل أريد رؤية إمكانياتك بغض النظر عن أي شيء آخر ، لكني أتمنى وأرجو بشدة أن توافق.
ثم ضحك وقال:كأني انتظر رداً من حبيبتي لتوافق على خطبتي لها !!
ثم إنتبه لما قاله ثم تنحنح وقال:احم احم ، أعتذر منك ، يبدو أني أخترف في حديثي !
وفتح الأكل وعبقت رائحته المكان واختفى أي كلام وأي حديث ولم يعد للفم واللسان أي وظيفة سوى الأكل وإبتلاع الطعام.
وعاد حامد في المنزل مساءً وكانت روح تشاهد التلفاز فألقى السلام وجلس بجوارها، فسألته دون أن تلتفت إليه: لم تخبرني بأخبار الغداء كيف كان ؟!!
رفع حاجبيه بإندهاش وأهدر بتعجب: هل أنتِ تسألين ؟!!!
- ولم لا ؟؟
- حقيقةً قد صدمنا من الأكل ما أحلاه !وما أطيبه !وما أشهاه !لقد ذهبنا لعالم آخر وظل كلا منا مندمج ومركز مع ذلك الأكل ومذاقه الخرافي ولا يريد أينا أن يقطع هذا التركيز العميق.
فضحكت وقالت: كل هذا وأنت تجلس أما طبق من الفتة !! فماذا لو جلست يوماً أمام حبيبتك ماذا ستفعل ؟!!!!
فإبتسم قليلاً ثم سكت وبعدها قال: كأن مراد قال مايشبه هذا !
- وماذا قال؟!
- لا شيء ،لكن أكثر ما قاله وأثر في عندما تذوق الطعام قال كأن روائح أمي تهفهف فأكلك يشبه أكل أمه المتوفية كثيراً.
فسكتت روح دون تعليق لكنها لاتنكر بين نفسها أنها قد تأثرت من تلك الكلمات والأغرب وقع إسم ذلك الشخص عليها وكأنه يجتاحها ويلجمها فجأة، لكن سرعان ما اتهمت نفسها بالحماقة و نفضت تفاهتها، فقاطعها حامد متسآلاً: هل فكرتي يا روح ؟!
فقالت وهي تعود من شرودها: هه ! كأنك زنان ؟! أم هذا إلحاح صاحبك ؟!!
- كما قلت لكِ سأكون معكٌ ولن أتركك وفي أي وقت رغبتي في تركهم لن يجبرك أحد، كوني مطمئنة !
أومأت روح موافقة كفض مجلس دون إكتراث قائلة: حسناً يا حامد سأوافق من إجلك فقط ، حتى لا تلومني يوماً أني قد أضعت فرصة عمل لك.
- إذن فلنتفق ونذهب لشراء طاقم ملابس جديد لتذهبي به للمقابلة.
- لا لاداعي ، فلدي الكثير من الملابس الجديدة والأنيقة منذ أيام الهباب.
فأمسك حامد بجبهته وتابع بضيق وغيظ: آااااااااااه ! بمناسبة الهباب ، أرجوكي أرجوكي حاولي أن تكوني أكثر لطفاً في حديثك ، فلا داعي لتلك الحجارة التي تقذفيها بلسانك بمناسبة وبدون مناسبة.
روح بتوعد: نعععععم !!
- أقصد عزيزتي أن هذا الوسط هو وسط يحتوي على فنانين ومشاهير وهم يعتادون على التملق في الحديث .
فوضعت إحدى ساقيها فوق الأخرى وهزتها بقوة ورفعت سبابتها بتوعد وصاحت بحدة: إن تحدثت بكلمة واحدة أخرى فستعتبر هذا الموضوع كأن لم يكن ، كل ما عليك أن تخبرني عن موعد ذلك اللقاء وعلى إعداد نفسي ، فقط لا غير ، أما لغتي وحديثي وكل ذلك الهراء فليس موضوعاً مطروحاً للنقاش .
ثم أكملت بنفس تهديدها ولازالت ترفع سبابتها في وجه أخيها محذرة :ولتعلم أن لساني لا يقذف بالحجارة إلا من يستحق ، وكأنكم معشر الرجال جميعكم تستحقون ليس فقط القذف بالحجارة بل القذف بالمدافع الآلية.
ثم تركته وانصرفت وهو يردد في نفسه :استر يا رب !
....................................
NoonaAbdElWahed
(روح الفؤاد)
الحلقة الثالثة عشر
بقلم :نهال عبد الواحد
إتصل حامد بمراد وأخبره بموافقة روح وحدد معه موعد لذلك اللقاء.
وجاء اليوم المتفق عليه وكانت روح أنيقة لكن بدون تكلف فارتدت مجرد كنزة وبنطال وتركت لشعرها العنان مع بعض الكحل حول عينيها وطلاء شفاه بلون هاديء لكنها بدت فاتنة رغم تلك البساطة.
و وصلت روح مع حامد لمكان المكتب وبمجرد نزولهما من السيارة بدأت روح تتأوه وتتسند إلى ذراع أخيها وما أن اقتربا من المصعد حتى قال حامد: ما الخطب يا روح؟! ماذا بك ؟!!!
فأجابت بتألم: تلك الحذاء اللعنة عليها تكاد تقتلني.
تأفف حامد وتابع بغيظ: كأنك لأول مرة ترتدين حذاءً جديدة ؟!! لماذا لم ترتديها في البيت كما تعتادين دائماً ؟!!
- أخبرني متى بالله عليك ؟!! كنت أرتديها وأنا أقف طيلة اليوم بالمطبخ ؟!!
- حسناً حسناً ، تحملي قليلاً إذن ، أووووووف !إن المصعد معطل هيا فلنركب في المصعد الزوجي وننزل طابق.
وبالفعل ركبا المصعد الزوجي حتى وصلا لكن يبدو أن حامد قد أخطأ في تسجيل رقم الطابق فبدلا من نزول طابق سيصعدا طابق .
وكانت روح لازالت تتأوه من وجع قدميها من أثر تلك الحذاء ولم يعد مجرد تأوه بل صار كولولة أو كما يقول لها حامد ساخراً مقطوعة الآهات.. لكن يبدو أنها قد أثارت غضبه بولولتها تلك وهمّا ليصعدا الطابق الذي فيه المكتب.
ثم صاحت فجأة: لا لا ، لا أستطيع.
فتأفف وجز على أسنانه بغضب وقال: لقد نفذ صبري يا روح !
- إذن اصعد انت واتركني هنا أريح قدماي قليلاً وبعدها سأتبعك.
قالتها وهي تهم بالجلوس على درجات السلم، فصاح فيها حامد: هل ستجلسين على السلم هكذا ؟!!!!
فأومأت برأسها بتعب: أجل ، لا أستطيع من شدة الوجع .
ثم رفعت سبابتها وقالت مهددة: كلمة أخرى وسأعود للمنزل فوراً ، واذهب أنت وقابله وحدك !
فتأفف حامد وصعد وتركها فجلست روح على إحدى درجات الدرج و وضعت حقيبتها بجانبها ولازالت تتوجع وتولول وخلعت حذاءها فوجدت قدميها قد جرحت بفعل ضغطة الحذاء.
ففتحت حقيبتها تبحث فيها ثم أخرجت كيس من المناديل وقطعت منه و وضعت علي جروحها تلك وهي تقول بولولة وتضجر: أووووووف ! اللعنة عليكِ ، آااااااااااه ! واااقدمااااااه !!
وبعد قليل بدأت ترتدي حذاءها من جديد لتذهب لأخيها دون تأخير ، ووقفت ولازالت تتأوه ثم إنحنت لتأخذ حقيبتها ولا تزال تعدل من وضعية قدميها في الحذاء وفجأة اختل توازنها وسقطت للخلف.
لكن فجأة أيضاً هناك من لحقها و حملها على فجأة فإلتفتت لتتقابل رماديتها ببنيته في لقاء طويل للعيون وكلاهما لايفهم ولا يستوعب شيء مما يحدث بل كلاهما قد فقدا الزمان والمكان وغيبا عن الوعي وسكت العقل تماماً عن أي إدراك أو تفكير .
لكن فجأة إنتبهت روح لما حدث وأنزلت بنفسها من فوق يديع ويبدو عليها الصدمة فلا تتذكر كيف حدث هذا ، لكن يبدو أنها قد صدمت أحد جروحها فتألمت فجأة وكادت أن تسقط ثانياً لكنه أسندها ومسك بخصرها فابتعدت قليلاً وعدلت من هيئتها لتبدو طبيعية.
فقال بهدوء: هل أنت بخير يا هانم ؟!!
فأجابت بتحفذ وهجوم: لست بهانم.
ثم انصرفت واختفت مسرعة من أمامه.
وقف واجماً يحاول إستيعاب ما حدث ، فلم يرى مثل تلك العيون من قبل ولا مثل ذلك الجمال الذي اقتحم قلبه وهدم كل حصونه على غفلة وانتصر عليه انتصاراً ساحقا في أقل من لحظات وقد تم الإحتلال التام لكن بلا رغبة في إستقلال ولا تحرير.
كيف ذابت في يديه وأذابته هكذا ؟!!
ربما هو حلم ! مؤكد هو حلم أو حالة من الهلاوس البصرية فلا يمكن أن تكون آدمية.
لكن ماذا عن إحساسه الآن فلازال فاقد للسيطرة على نفسه وكأن قد حدث إرتفاع مفاجيء في درجة الحرارة فجأة ، فكان يزفر الهواء بنفخ وفتح أعلى زر من قميصه وبدأ يهوي بيديه ربما يجيء القليل من نسمات الهواء وكأنه بدأ يتعرق فمسح وجهه بيده ، مهلاً إنها رائحة عطرها في يده فاستنشق نفساً عميقاً.
إذن لم تكن حلماً هي حقيقية وآدمية وكانت بين يديه منذ قليل ، وكأن ملابسه أيضاً تحمل عطرها فوقف يتشمم نفسه في حركات بلهاء ، لا لا فهذا كثير على قلبي أن يتحمل كل ذلك فوضع يده على قلبه الذي يشبه في قوة شرباته ضرب الطبول .
إهدأ إهدأ إهدأ ! لكم كيف لي الهدوء وماذا عن هذا الجمال الذي لا ينسى ؟!! وتلك العيون التي حفرت أمام ناظري ؟! وعن كتلة الدلال والأنوثة.... لقد اختفت كل الكلمات ، فكل الكلمات فقيرة لتعبر عما أشعر به الآن.
دخلت روح لأخيها في المكتب والذي نظر لها بإيماءة تعني لم كل هذا التأخير ، لكن روح كانت في حالة غريبة من داخلها لا تعرفها ولم تعهدها أبداً كأنه نوع من الإجتياح أو كأنها اختطفت وفقدت شيئاً في آن واحد ، إضطراب وتضارب كثير لا تفهمه ولا تستطيع إستيعابه لكن عليها نفض كل هذا فوراً.
وسرعان ما جاءت السكرتيرة لتخبرهم بأن الأستاذ قد وصل توا وفي إنتظارهما فتحركا ودخلا ، وكان ذلك التحرك بالنسبة لروح هو إشارة مباشرة للعودة إلى أرض الواقع ومحاولة أن تكون على طبيعتها.
دخل الإثنان وجلسا متقابلين أمام المكتب وما كانت لحظات حتى رأى حامد مراد قادم نحوه فوقف ليسلم عليه وبينما مراد قادم نحوه إذ لمح بطرف عينه روح ، إنها هي.. صاحبة أجمل عيون.. كتلة الدلال والرقة المتحركة.. ياإلهي ! هل أنا محظوظ لتلك الدرجة ؟!! إذن فذلك الجمال النادر هي صاحبة الأنامل السحرية التي تسحرني دائماً بروائع طبخها.
وضع يده على فمه ليخفي إبتسامته التي حاول كتمها لكنها أبت وخرجت ثم سلم على حامد وقال بترحاب: مرحباً بكم ، نورتونا.
فإنتبهت روح فجأة لذلك الصوت ، هل لحقت تحفظه ؟ فوقفت من فورها والتفتت نحوه ، إنه هو ،يا إلهي ! ما تلك الورطة ؟!
مد مراد يده ليصافحها فترددت قليلاً ثم مدت يدها هي الأخرى وكأنها كانت تنتظر منه أي حركة أو خطأ لتهب فيه وتختلق أي مشكلة وتغادر المكان فوراً.
لكن طريقة مصافحته لها لم تضايقها إطلاقاً كما أن عينه لم تكن سوى معلقة بعينها بنظرة لها طابع خاص لم تعهدها بل لم تصادفها أبداً وكانت خالية من أي خبث كانت تتوقعه.
فأومأ حامد بيده يعرفهما ببعض قائلاً: أستاذ مراد عزمي المخرج ، أختي روح الفؤاد.
مراد بنفس نظرته مع إبتسامة نقية تخرج من قلبه وهو يقول: مرحباً بك ! لقد إزدادت شرفاً ، وتسلم يداكي على روائع طبخك التي قد ذهبت بعقلي حتى إني قد كتبت بعض الخواطر النثرية أمتدحها.
فضحك حامد وقال: سمعت عن كتّاب يكتبون في وصف حبيباتهم أو أوطانهم لكن وصف أطعمة... حقيقي جديدة ! ثم قهقه...
فتابه مراد مازحاً: اسخر اسخر ! بل إني قد انتويت نشرهم خاصة عقب ذلك الغداء الرائع ذلك اليوم يوم الفتة ومشتملاتها الفتاكة ، أما عن آخر مرة أرسلتي إليها بورق العنب ما تلك الروعة ! ولأول مرة أتذوق محشي للبصل وملفوف بين ورق العنب ماهذا ؟!! لقد تمنيت ألا ينتهي ، يلزم أن تقرئي خواطري تلك في وصف روائعك يا آنسة.
كانت تود لو تصيح في وجهه بسبب تلك التلميحات وتلك الطريقة التي يتحدث بها ، أو ربما هي تختلق أسباباً لكن حتى مع إختلاق الأسباب قد تحجر الكلام فجأة بداخل حنجرتها ، لكنها لم ترد إلا : مدام من فضلك.
ورغم كونها كلمة واحدة لكنها كانت رسالة صريحة منها إليه ، لكنها كانت كفيلة أن تشعره بطعنة فجائية ، وبدأ جاهداً يحاول السيطرة على نفسه وتعبيرات وجهه وإتجه يجلس على مكتبه.
بدا عليه بعض الإضطراب في طريقة فركه لوجهه ثم رفع سماعة هاتفه الداخلي وهو يسألهما بجدية: هل ترغبان في شرب قهوة أم مشروب آخر ؟
- ممكن كوب من القهوة المضبوطة ، وأنتِ يا روح ؟!!
أهدر بها حامد بينما تابعت روح بإقتضاب: أرغبها سادة.
فنظر نحوها مراد وقال: ثلاثة قهوة من فضلك ، واحدة مضبوطة وإثنان سادة.
فإلتفتت روح نحوه فجأة ثم عادت لوضعها ولازالت ليست على طبيعتها ، فلو كانت على طبيعتها لكانت الآن في طريقها للمنزل بعد صدام كبير تحدثه مع هذا المخرج.
كان مراد يحاول طيلة الوقت ألا ينظر نحوها وغمس نفسه في حوار العمل والحديث الرسمي دون أي مزحات وذاك قد أثار تعجب حامد ، فتلك ليست من طبيعة مراد أن يظل يتحدث بجدية هكذا ، لكنه أقنع نفسه أنه لقاء عمل و وقت العمل للعمل.
وروح أيضاً تعمدت ألا تنظر نحوهما إطلاقاً وطلت تنظر في قهوتها لكن أذنيها معهما ولم تتحدث سوى بضع كلمات قليلات عندما يوجه إليها سؤال فقط.
كان حامد متوقع سر هيئتها وهدوءها وظن أنه بسبب حذاءها ، لكن لم ينتبه أنها منذ أن جلست وقد خلعته وسندت بقدميها فوقه.
وبعد حديث طويل والإتفاق على كل التفاصيل هم حامد بالوقوف وهو يشير لأخته ليذهبا ، فارتدت حذاءها و وقفت لكن الألم شديد فجلست مرة أخرى فأمسك حامد بيدها لتقف وهو ينظر لها بتحذير لأ لا تحدث أي ضجة ومراد يلاحظ أن هناك أمر ما لم يفهمه لكنه قد استحيا أن يسأل وبدأ يتحرك نحو الباب ليودعهما.
لكن ما أن سارت روح بضع خطوات وهي تأن قليلاً حتى سقطت فجأة على الأرض وهي تتألم.
فهمس إليها حامد بغضب مكتوم: هلا احترستي ؟!! هيا انهضي !
فتدخل مراد بنبرة مدافعة عنها: أنت من عليك الإحتراس لألا تسقط منك ، أمسك بها جيداً.
فساعدها حامد على النهوض حتى وقفت ثم جلست على كرسي أحضره مراد ووضعه خلفها لكنها فجأة خلعت حذاءها وصاحت بغضب: لن أرتديها.
فزمجرحامد بتوعد: روووووح !
فأجابت بنفس الحدة: قدماي تؤلماني ولا أستطيع التحمل.
فتسآل حامد بإستخفاف: هل ستمشين حافية القدمين ؟!!
أومأت روح برأسها أن نعم وأجابت باستفزاز: أجل .
صاح حامد بغضب: روووووووح !!
تدخل مراد مجدداً قائلاً بهدوء: إهدأ يا حامد ، واضح أنها متعبة حقاً حتى أن قدميها قد جرحت .
ثم وجه حديثه نحوها وتابع: مدام روح ! كم هو مقاس قدميكي ؟
فأجابت بحدة وهجوم: ماذاااا ؟!!
تفاجأ مراد بهجومها ولا يدري لماذا إنتابه فجأة شعور بالضحك لكنه لا زال يجاهد نفسه ألا يفعل ثم قال: لم أقصد شيئاً سيدتي ، كل ما هنالك أن لي صديق صاحب محل للأحذية بالقرب من هنا سأتصل به ويحضر لك واحدة أكثر راحة ، ويمكنك الشراء منه فهو لديه تشكيلة كبيرة وكلها مريحة ، هه ! مقاسك ؟
فأجابت مضطرة: 38.
فاتصل من هاتفه وتحدث قليلاً وطلب حذاء موديل...... مقاس...... ، وبعد قليل جاء شخص ما يحمل الحذاء فقدمه لروح وارتدته ، حقاً قد أراحها كثيراً و حقاً أنيق.
فشكراه وانصرفا وهي تقول لنفسها هل يحفظ كل أرقام الموديلات أم تلك مجرد صدفة؟؟
.......................................
NoonaAbdElWahed
الحلقة الحادية عشر
بقلم : نهال عبد الواحد
زادت شهرة روح وازداد الطلب على كل ما لذ وطاب مما تصنعه أناملها وبدأت تحقق ربحا كبيراً هي وأخيها حامد الذي لا زال مسئولا عن توصيل الطلبات وكل التعاملات مع الجمهور والزبائن ،كما صارا تجمعه بعض الصداقات بينه وبين بعضهم خاصة ممن يطلب مراراً.
وهكذا مر العام الأول على إنشاء تلك الصفحة وذلك المشروع الرابح الذي غير حياتهم سواء مادياً أو معنوياً خاصة بالنسبة إلى روح فقد صار هناك ما يشغلها و تفني فيه وقتها وتثبت فيه جدارتها وصار بالفعل موضوع نادر هذا صفحة قد قطعت ورميت في صندوق القمامة.
وذات يوم كان حامد يذهب بطلب لأحدهم ممن جمعت بينهما صداقة إلى حدما و وصل للعنوان المطلوب إذ وجده ينادي عليه من سيارته وكان يعتاد أن يقابله في أي مكان في الطريق ويمر عليه بسيارته فهو يعلم كم يلف نادر طوال اليوم في توزيع الطلبات وكان أحياناً يركب معه في سيارته ويقوم بتوصيله أو يقفان يتحدثان ، وها هو الآن صار لحامد سيارته التي يلف بها طوال اليوم في توصيل الطلبات.
توقف حامد والتفت ناحيته فنزل من السيارة شابا ثلاثيني أنيق للغاية متوسط القامة وتبدو عليه الوسامة ، له شعر قصير وذقن خفيف أو ربما بسبب لونها الفاتح هي وشعره فيعطي ذلك الإيحاء بقلة كثافتهما ، ولون عينيه التي تشعر وكأنها ملونة لكن هي بني فاتح ، فإتجه نحوه حامد يصافحه بحرارة.
- مرحباً ! هيا اصعد معي في المكتب فأنا أريدك في أمر ضروري.
فتبعه حامد وهو يردف: حسناً !!
وصعدا معاً بالفعل بالمصعد حتهي وصلا لمكتب فدخل الشاب أولاً ثم هم حامد أن يتبعه فلمح لافتة صغيرة بجوار الباب مكتوب عليها (مراد عزمي مخرج برامج) ثم دخل خلفه حامد وكان يبدو أنه ليس موعد العمل لأن المكتب لايزال فارغاً ، وجلس الإثنان.
فتسآل حامد بدهشة: معذرة في سؤالي ! هل أنت مخرج فعلاً ؟!!
فأومأ مراد أن نعم قائلاً بإبتسامة: أجل ! مخرج برامج تلفزيونية ومؤلف روايات ، ألم أخبرك من قبل ؟!!
- حقيقةً لا ، لكنه شرف كبير وفرصة سعيدة.
- أنا أسعد ، المهم كنت أريدك في أمر هام.
- تفضل.
- مطبخ روح الفؤاد.
- أجل ! ماذا بها ؟!! رغم أن الصفحة اسمها مطبخ روح.
- مطبخ روح الفؤاد هي فكرة برنامج جديدة أريد إخراجه وإنتاجه ، برنامج للطبخ.
- هل أنت تستأذن لتستخدم الإسم ؟!!
- ليس الإسم فحسب ، إني أطمع أن الجبارة التي تصنع كل تلك الأصناف هي من تقدمه ، وإحساسي يبشرني بنجاح البرنامج فعدد المتابعين لديكم سيفيد كثيراً في إرتفاع المشاهدات ونجاح البرنامج ، فالجميع لديهم فضول وأنا أولهم نود معرفة كيف تصنع روائع الطبخ تلك ، وهذا غير الفضول في التعرف عليها شخصياً.
فأومأ حامد بإعجاب ثم تابع: حسناً ! لكن برامج الطبخ كثيرة على الساحة كما أن هناك قنوات كاملة للطبخ.
فتابع مراد بعملية: أجل ! وهناك الكثير ممن يستفاد بحق من تلك البرامج ، لكن أكلكم هذا يحمل نكهة مصرية أصيلة ستعيد إلينا المطبخ المصري الجميل وتلك المرأة المصرية التي تطبخ بحب وبحالة مزاجية هادئة وليس مجرد واحدة تعيش على السوشي والأطعمة السريعة وكل ما شابهها ، فما أجمل ذلك الأكل الشهي ! بعض الملوخية ، فتة كوارع ، قطعة موزة ، طاجن عكاوي،.......
فضحك حامد وقال: كأنك جائع ؟!!! لكن مثل تلك الأطعمة لا يقبل عليها الكثير ، كأنك تحب تلك الأصناف ؟!!
فضحك مراد هو الآخر: هل تراني ( خواجة ) أجنبياً ؟!! كنت أعتاد علغي أكل مثل تلك الأصناف من يد أمي رحمها الله ومنذ وفاتها ولم أجد من يحسن صنعها كما أحببتها بمذاق يد أمي ، لكن أكلكم بالنسبة لي هو حالة خاصة لقد وجدت فيه بحق مذاق يد أمي ، أعلم أنك ستقول أنها تصنع الكثير من الأصناف الحديثة وبشكل متقن ورائع ، لكني أتحدث عن أصل ما أود تقديمه بالبرنامج ، أجواء مصرية للغاية.
فتنهد حامد بيأس ثم قال: لكني لا أعتقد أنها ستوافق أبداً.
فإتسعت عينا مراد بدهشة وتسآل: لماذا ؟!! كأني أقول أني سأعطيها دور في فيلم ! إنها ستطبخ عادي مثلما تطبخ في مطبخها ولن نختلف على أي شيء.
- وبمناسبة الأجواء المصرية ، يمكنك جعل الديكور الخاص بالبرنامج وأدوات المطبخ مصرية للغاية أيضاً.
- هيا سمعني واشجيني بأفكارك النيرة !! صحيح ، ما نوع تعليمك من أين تخرجت ؟
- تعليم عالي ، تخرجت من كلية الإعلام.
- لا والله ! إذن تلك فرصتك لتصبح معداً للبرامج ، ستصنع ملفا بأفكارك حول البرنامج وكل ما يخصه من أفكار للديكور والحلقات وبما يناسب طبعاً مقدمة البرنامج التي تعرفها أكثر مني.
فقال حامد متردداً: لكن......
فتابع مراد بإلحاح: أرجوك ! حاول إقناعها فهي مؤكد تحبك وستقتنع ، دللها يا حامد وخذها على قدر عقلها ، هكذا تعامل النساء فهن عاشقات لتلك الطرق وستصنع لك ماتريد بمنتهى السهولة.
فضحك حامد وقال: لكنها أختي أنا لست متزوج.
فضحك مراد هو الآخر وقال: المهم تقنعها ، أرجوك !
فرفع حامد كتفيه بقلة حيلة وتابع: سأحاول.
فتسآل مراد بلهفة: هه ! ماذا أحضرت لي اليوم ؟!!
فضحك حامد وقال: أنت الزبون الوحيد الذي تقول أكلوني على هواكم كما تريدون !!
- لم أعد مجرد زبونا بل نحن أصدقاء ، ثم إني قد وثقت فيما تقدموه إذن فلما أحدد الأصناف ؟!!! إني حتى أعتقد أنها إن صنعت بيديها سندويتش من الجبن والطماطم سيكون له مذاق خاص.
فهمس حامد في نفسه: إن سمعتك لعلقت رقبتك على باب زويلة !!
فضيق مراد عينيه وتسآل: ماذا تقول ؟!!
فإنتبه حامد إليه وقال متردداً: هه ! لا شيء ، أقصد أنها لم تصل لسندويتش جبن بالطماطم ، هذه مجموعة من المحشيات ومعها استيك لحم محمّر بالبصل.
فأهدر بإعجاب: واااااو رائع !! المهم أن يكون هناك ورق عنب معه ، فورق العنب من يديها له مذاق لا يقاوم.
فهمس مجدداً: أرى رقبتك تتدلى الآن ، ثم قال :اطمئن هناك طبق كامل مخصوص هدية لك فأنت لست بزبون عادي.
فأجاب مراد بإمتنان: أشكرك بشدة ، وتسلم يديها ، وأرجوك حاول إقناعها ! ولا تنسى ملف بأفكارك ، واطمئن ليس له علاقة بمدى قبولها للبرنامج.
سلم حامد عليه وغادره وهو يفكر يفكر والفكرة تلمع برأسه أكثر و أكثر و وصل للبيت في المساء و يحمل الكثير من المشتروات و وجد أخته تتمدد على الأريكة وتتأوه: آه ، آه ، وااااارجلاااااه التي فرمت ! وااااخصراااااه الذي انقسم ! وااااااظهراااااه الذي انكسر ! آااااااااااه يا كلي ! وا أبتااه ! وا أمااه!
فدخل حامد ويضع ما يحمله علي السفرة ويضحك بشدة ثم جلس وقال: ما هذا ؟!! ما مقطوعة الآهات والأوجاع تلك ؟؟!! ما الذي فعل بك ذلك ؟!
- عقب الإنتهاء من كل شيء وقفت ونظفت المطبخ بالكامل ، آااااااااااه ! وقد هلكت ، هيا انهض وكبّس ودلك ظهري ! هيا تعالي !
- ولماذا تهلكين نفسك هكذا ؟!! عندما تريدي التنظيف أخبريني وسأرسل لك من تنظف.
- لا أجيد الإمارة على الخلق ، هيا كبس كبس ، اخبط هنا ، نعم تمااااااام ، كم أتمنى أن أذهب لمكان ما وأستلقي هكذا وأجد من يدلك ويمسّج هكذا ، هيا اتقن ولا تتوقف !
- آه منك ياروح ومن جبروتك !! ولم لا أختي ؟!! حددي متى تريدين الذهاب وأنا سأذهب بك.
- كأنك قد صدقت !!!
- هل من تذهبن بفضليات عنك ؟!!
ثم جلس بجوارها و قال بتردد :روح ! أريدك في أمر ما ، أمر ضروري.
فاعتدلت تتأهب للإستماع له......................
NoonaAbdElWahed
(روح الفؤاد)
الحلقة الثانية عشر
بقلم :نهال عبد الواحد
- كنت أريدك في أمر هام !
قالها حامد بجدية وجلس جوار روح فاعتدلت تتأهب للإستماع له فقال: أتعلمين أنه قد نشأت بيني وبين بعض الزبائن صداقات خاصة ممن يتعاملون معنا بإستمرار.
فأومأت بسعادة قائلة: اللهم بارك !
- ومن بينهم شخص ما يعمل كمخرج ومبهور بصنع يديكي.
- إممممم ! هل يريد عمل وليمة ؟ لا مانع ، لكن عليه إخبارنا بالموعد من قبلها وإخبارنا بعدد المدعويين بالتقريب وإن كانت له ملاحظات في قائمة الأطعمة.
فأومأ برأسه أن لا وتابع: لا ليس الأمر هكذا !
فزمت شفتيها بعدم فهم متسآلة: إذن ماذا ؟!!!
- إنه يريد عمل برنامج جديد وعندما علم أني خريج إعلام طلب مني أن أكتب له أفكار البرنامج ربما تكون فرصتي لأكون معدا للبرامج.
فأهدرت بسعادة كبيرة: حمداً لله ، بالتوفيق أخي ، هذا العمل هو ما يليق بك ، ولا تشغل بالك بمن يقوم بتوصيل الطلبات يمكننا إستئجار شخص موثوق فيه نظير راتب ، كنت أنوي ذلك من قبل فأنت وحدك تهلك من كثرة التوصيل وربنا يبارك فالخير كثير.
فأومأ برأسه أن لا قائلاً: لا ياروح ، الأمر ليس كذلك ، أرجوكي دعيني أكمل كلامي !
فتابعت بتأفف: كأني أمسكت بلسانك ! هيا انطق وقل !
- ذلك العرض يتضمن أن تقومي أنت بتقديم البرنامج وسيسمى مطبخ روح الفؤاد وكونك من ستقدمه فهذا في حد ذاته سبب لنجاح البرنامج من قبل أن تذاع حلقاته .
فصاحت معترضة بحدة: ما هذا العبث ؟!! أتريدني أظهر في شاشات التلفاز وأقول سيداتي آنساتي ، بالطبع مستحيل ،لا يمكن.
- ولماذا ؟!! أنت لن تفعلي شيئاً غريباً عنك ، ستقفي في مطبخ و تطبخي فيه مثلما تقفي في مطباخك تماماً.
- لا لا ، لا يمكن.
وهنا رن جرس الباب وفتح حامد وكان أيمن وإيمان فدخلا وسلما ثم لاحظا أمراً ما بين روح وحامد فنظرا بينهما وتسآل بريبة: ماذا بكما ؟! كأنكما كنتا تتشاجران ؟!!!
فأومأ حامد برأسه أن لا متأففاً ثم قال: بالطبع لا ،كنت أعرض فكرة عمل جديد عليها ليس إلا.
فأردفت بحدة وتهكم: إنه يريدني أعمل مقدمة لبرنامج طبخ ، كأنه قد جُنَّ !
فصاح حامد: تتحدثين كأني أعرض عليكِ أن تعملي كراقصة في ملهى ليلي !!!
فتدخلت إيمان بهدوء: حقيقةً هي فكرة رائعة! فهل هناك وجه أجمل من وجهك ليقدم البرامج؟!!!
وتابع أيمن مستحسناً: وأنا أيضاً قد أعجبتني الفكرة.
فنهضت روح و وضعت يديها على خصرها وتابعت معترضة: عظييييم !! لقد اتخذتم جميعكم حزباً ضدي !
فتأفف حامد ثم قال: لماذا أنتِ قلقة عزيزتي ؟!! إنه رحل محترم وعلى خلق وأنت لن تفعلي شيئاً غريباً عنك ،ثم إني سأكون بصحبتك دائماً ، هه ! ما قولك ؟!
فتابعت روح متذمرة: ولنفترض أنه لم يعجبني ذلك المكان و لا أولئك الناس ؟!
أجابها أيمن: في رأيي هي فرصة حقيقية لك .
وأومأت إيمان مؤيدة وتابعت: وهذا رأيي أيضاً .
أشارت روح إلى إيمان قائلة: بالمناسبة ، إيمان قد أعددت كل ما طلبتيه وكل شيء على ما يرام.
فصاح حامد بغيظ وهو يضرب كفاً بكف: يا إلهي ! ماذا نقول وبماذا تجيب ؟!!
قالت إيمان: دعينا من أمر الطلبات الآن سآخذها معي بعد قليل ، و لنكمل موضوعنا.
تأففت روح وجلست مرة أخرى واضعة ساقاً فوق الأخرى تهزها بغيظ قائلة: وقد صار موضوعاً ؟!!!
إقترب حامد من أخته وربت على كتفيها بحنان وتابع يطمئنها: لا تخافي أختي ! وفي أي وقت تقرري التراجع لا تكملي فمصلحتك هي أهم شيء حتى وإن خسرت عملي هذا.
فأجابت روح على مضد: إذن دعني أفكر.
أيمن بضيق:يووووووووه !!!
أشار حامد لأخيه يهدئه وإلتفت إلى روح قائلاً: حسناً ياروح فكري كما تشاءين.
فأشارت روح لما أحضره حامد متسآلة: ما تلك الأشياء ؟!!
تنهد حامد وأجاب بجدية: صحيح ، كدت أنسى ،هذه هدية مني للأستاذ وستكون خارج الحساب ، أريد كل مواهبك في الغد يا روح ، وابدئي به قبل إعداد الطلبات.
- وماذا سأفعل ؟!!
هكذا تسآلت روح وهي تتفحص أكياس المشتروات، فنهض مقترباً منها يجيبها: فتة بالكوارع بطريقتك الخاصة وعليها صلصة (الشكمبة) ذات الخل والثوم ، عليقة ضأن اضبطيها تماماً ، طرب ، وأحلى طاجن عكاوي من أحلى يدين وطبعاً لا تنسي السلطات.
فزمت حاجبيها بدهشة وتابعت بإستخفاف: وهل هذا الأستاذ سيأكل كل ذلك الطعام ؟!!!
صاح حامد بمزحة: ماذا بك ياروح ؟!! كأن عينك في الطعام !
لكزته وهي تقول: بالطبع لا... ثم ضحكت وقالت:أقصد أن تلك الأصناف لا يفضلها الكثيرين.
- ليتك كنتِ رأيتيه وهو يحكي عنهم.
فضحكت ثم لاحظت نظراتهم المتعجبة فسكتت ولا تعلم لماذا ضحكت ولماذا سكتت ؟!!!!
وفي اليوم التالي بدأت روح بالفعل بتلك الأصناف وصنعتها على أحسن ما يكون ، ثم أخذ حامد الطعام وذهب به لمراد في مكتبه.
وما أن رآه مراد حتى هش له وبش واستقبله خير إستقبال ثم قال بإعجاب وهو ينظر لما أحضره: ما كل هذا ؟ هل قيل إني أقيم وليمة ؟! أم تراني شخصاً أكولا ؟!!
ضحك حامد قائلاً: هذا طلب مخصوص من أجلك ، لكنه هدية.
فإبتسم مراد وقال: حسناً سأقبلها لكن عليك مشاركتي في الطعام.
فأومأ حامد برأسه موافقاً وأردف: حسناً !!
وبدأ يفتح كل منهما الطعام فقال مراد: هل إنتهيت من أفكار البرنامج ؟!!
تلعثم حامد وأجاب بتردد: حقيقةً... نعم... لكن روح لازالت غير موافقة.
أومأ مراد وتابع بهدوء: أنا لا أساومك ، أنا بالفعل أريد رؤية إمكانياتك بغض النظر عن أي شيء آخر ، لكني أتمنى وأرجو بشدة أن توافق.
ثم ضحك وقال:كأني انتظر رداً من حبيبتي لتوافق على خطبتي لها !!
ثم إنتبه لما قاله ثم تنحنح وقال:احم احم ، أعتذر منك ، يبدو أني أخترف في حديثي !
وفتح الأكل وعبقت رائحته المكان واختفى أي كلام وأي حديث ولم يعد للفم واللسان أي وظيفة سوى الأكل وإبتلاع الطعام.
وعاد حامد في المنزل مساءً وكانت روح تشاهد التلفاز فألقى السلام وجلس بجوارها، فسألته دون أن تلتفت إليه: لم تخبرني بأخبار الغداء كيف كان ؟!!
رفع حاجبيه بإندهاش وأهدر بتعجب: هل أنتِ تسألين ؟!!!
- ولم لا ؟؟
- حقيقةً قد صدمنا من الأكل ما أحلاه !وما أطيبه !وما أشهاه !لقد ذهبنا لعالم آخر وظل كلا منا مندمج ومركز مع ذلك الأكل ومذاقه الخرافي ولا يريد أينا أن يقطع هذا التركيز العميق.
فضحكت وقالت: كل هذا وأنت تجلس أما طبق من الفتة !! فماذا لو جلست يوماً أمام حبيبتك ماذا ستفعل ؟!!!!
فإبتسم قليلاً ثم سكت وبعدها قال: كأن مراد قال مايشبه هذا !
- وماذا قال؟!
- لا شيء ،لكن أكثر ما قاله وأثر في عندما تذوق الطعام قال كأن روائح أمي تهفهف فأكلك يشبه أكل أمه المتوفية كثيراً.
فسكتت روح دون تعليق لكنها لاتنكر بين نفسها أنها قد تأثرت من تلك الكلمات والأغرب وقع إسم ذلك الشخص عليها وكأنه يجتاحها ويلجمها فجأة، لكن سرعان ما اتهمت نفسها بالحماقة و نفضت تفاهتها، فقاطعها حامد متسآلاً: هل فكرتي يا روح ؟!
فقالت وهي تعود من شرودها: هه ! كأنك زنان ؟! أم هذا إلحاح صاحبك ؟!!
- كما قلت لكِ سأكون معكٌ ولن أتركك وفي أي وقت رغبتي في تركهم لن يجبرك أحد، كوني مطمئنة !
أومأت روح موافقة كفض مجلس دون إكتراث قائلة: حسناً يا حامد سأوافق من إجلك فقط ، حتى لا تلومني يوماً أني قد أضعت فرصة عمل لك.
- إذن فلنتفق ونذهب لشراء طاقم ملابس جديد لتذهبي به للمقابلة.
- لا لاداعي ، فلدي الكثير من الملابس الجديدة والأنيقة منذ أيام الهباب.
فأمسك حامد بجبهته وتابع بضيق وغيظ: آااااااااااه ! بمناسبة الهباب ، أرجوكي أرجوكي حاولي أن تكوني أكثر لطفاً في حديثك ، فلا داعي لتلك الحجارة التي تقذفيها بلسانك بمناسبة وبدون مناسبة.
روح بتوعد: نعععععم !!
- أقصد عزيزتي أن هذا الوسط هو وسط يحتوي على فنانين ومشاهير وهم يعتادون على التملق في الحديث .
فوضعت إحدى ساقيها فوق الأخرى وهزتها بقوة ورفعت سبابتها بتوعد وصاحت بحدة: إن تحدثت بكلمة واحدة أخرى فستعتبر هذا الموضوع كأن لم يكن ، كل ما عليك أن تخبرني عن موعد ذلك اللقاء وعلى إعداد نفسي ، فقط لا غير ، أما لغتي وحديثي وكل ذلك الهراء فليس موضوعاً مطروحاً للنقاش .
ثم أكملت بنفس تهديدها ولازالت ترفع سبابتها في وجه أخيها محذرة :ولتعلم أن لساني لا يقذف بالحجارة إلا من يستحق ، وكأنكم معشر الرجال جميعكم تستحقون ليس فقط القذف بالحجارة بل القذف بالمدافع الآلية.
ثم تركته وانصرفت وهو يردد في نفسه :استر يا رب !
....................................
NoonaAbdElWahed
(روح الفؤاد)
الحلقة الثالثة عشر
بقلم :نهال عبد الواحد
إتصل حامد بمراد وأخبره بموافقة روح وحدد معه موعد لذلك اللقاء.
وجاء اليوم المتفق عليه وكانت روح أنيقة لكن بدون تكلف فارتدت مجرد كنزة وبنطال وتركت لشعرها العنان مع بعض الكحل حول عينيها وطلاء شفاه بلون هاديء لكنها بدت فاتنة رغم تلك البساطة.
و وصلت روح مع حامد لمكان المكتب وبمجرد نزولهما من السيارة بدأت روح تتأوه وتتسند إلى ذراع أخيها وما أن اقتربا من المصعد حتى قال حامد: ما الخطب يا روح؟! ماذا بك ؟!!!
فأجابت بتألم: تلك الحذاء اللعنة عليها تكاد تقتلني.
تأفف حامد وتابع بغيظ: كأنك لأول مرة ترتدين حذاءً جديدة ؟!! لماذا لم ترتديها في البيت كما تعتادين دائماً ؟!!
- أخبرني متى بالله عليك ؟!! كنت أرتديها وأنا أقف طيلة اليوم بالمطبخ ؟!!
- حسناً حسناً ، تحملي قليلاً إذن ، أووووووف !إن المصعد معطل هيا فلنركب في المصعد الزوجي وننزل طابق.
وبالفعل ركبا المصعد الزوجي حتى وصلا لكن يبدو أن حامد قد أخطأ في تسجيل رقم الطابق فبدلا من نزول طابق سيصعدا طابق .
وكانت روح لازالت تتأوه من وجع قدميها من أثر تلك الحذاء ولم يعد مجرد تأوه بل صار كولولة أو كما يقول لها حامد ساخراً مقطوعة الآهات.. لكن يبدو أنها قد أثارت غضبه بولولتها تلك وهمّا ليصعدا الطابق الذي فيه المكتب.
ثم صاحت فجأة: لا لا ، لا أستطيع.
فتأفف وجز على أسنانه بغضب وقال: لقد نفذ صبري يا روح !
- إذن اصعد انت واتركني هنا أريح قدماي قليلاً وبعدها سأتبعك.
قالتها وهي تهم بالجلوس على درجات السلم، فصاح فيها حامد: هل ستجلسين على السلم هكذا ؟!!!!
فأومأت برأسها بتعب: أجل ، لا أستطيع من شدة الوجع .
ثم رفعت سبابتها وقالت مهددة: كلمة أخرى وسأعود للمنزل فوراً ، واذهب أنت وقابله وحدك !
فتأفف حامد وصعد وتركها فجلست روح على إحدى درجات الدرج و وضعت حقيبتها بجانبها ولازالت تتوجع وتولول وخلعت حذاءها فوجدت قدميها قد جرحت بفعل ضغطة الحذاء.
ففتحت حقيبتها تبحث فيها ثم أخرجت كيس من المناديل وقطعت منه و وضعت علي جروحها تلك وهي تقول بولولة وتضجر: أووووووف ! اللعنة عليكِ ، آااااااااااه ! واااقدمااااااه !!
وبعد قليل بدأت ترتدي حذاءها من جديد لتذهب لأخيها دون تأخير ، ووقفت ولازالت تتأوه ثم إنحنت لتأخذ حقيبتها ولا تزال تعدل من وضعية قدميها في الحذاء وفجأة اختل توازنها وسقطت للخلف.
لكن فجأة أيضاً هناك من لحقها و حملها على فجأة فإلتفتت لتتقابل رماديتها ببنيته في لقاء طويل للعيون وكلاهما لايفهم ولا يستوعب شيء مما يحدث بل كلاهما قد فقدا الزمان والمكان وغيبا عن الوعي وسكت العقل تماماً عن أي إدراك أو تفكير .
لكن فجأة إنتبهت روح لما حدث وأنزلت بنفسها من فوق يديع ويبدو عليها الصدمة فلا تتذكر كيف حدث هذا ، لكن يبدو أنها قد صدمت أحد جروحها فتألمت فجأة وكادت أن تسقط ثانياً لكنه أسندها ومسك بخصرها فابتعدت قليلاً وعدلت من هيئتها لتبدو طبيعية.
فقال بهدوء: هل أنت بخير يا هانم ؟!!
فأجابت بتحفذ وهجوم: لست بهانم.
ثم انصرفت واختفت مسرعة من أمامه.
وقف واجماً يحاول إستيعاب ما حدث ، فلم يرى مثل تلك العيون من قبل ولا مثل ذلك الجمال الذي اقتحم قلبه وهدم كل حصونه على غفلة وانتصر عليه انتصاراً ساحقا في أقل من لحظات وقد تم الإحتلال التام لكن بلا رغبة في إستقلال ولا تحرير.
كيف ذابت في يديه وأذابته هكذا ؟!!
ربما هو حلم ! مؤكد هو حلم أو حالة من الهلاوس البصرية فلا يمكن أن تكون آدمية.
لكن ماذا عن إحساسه الآن فلازال فاقد للسيطرة على نفسه وكأن قد حدث إرتفاع مفاجيء في درجة الحرارة فجأة ، فكان يزفر الهواء بنفخ وفتح أعلى زر من قميصه وبدأ يهوي بيديه ربما يجيء القليل من نسمات الهواء وكأنه بدأ يتعرق فمسح وجهه بيده ، مهلاً إنها رائحة عطرها في يده فاستنشق نفساً عميقاً.
إذن لم تكن حلماً هي حقيقية وآدمية وكانت بين يديه منذ قليل ، وكأن ملابسه أيضاً تحمل عطرها فوقف يتشمم نفسه في حركات بلهاء ، لا لا فهذا كثير على قلبي أن يتحمل كل ذلك فوضع يده على قلبه الذي يشبه في قوة شرباته ضرب الطبول .
إهدأ إهدأ إهدأ ! لكم كيف لي الهدوء وماذا عن هذا الجمال الذي لا ينسى ؟!! وتلك العيون التي حفرت أمام ناظري ؟! وعن كتلة الدلال والأنوثة.... لقد اختفت كل الكلمات ، فكل الكلمات فقيرة لتعبر عما أشعر به الآن.
دخلت روح لأخيها في المكتب والذي نظر لها بإيماءة تعني لم كل هذا التأخير ، لكن روح كانت في حالة غريبة من داخلها لا تعرفها ولم تعهدها أبداً كأنه نوع من الإجتياح أو كأنها اختطفت وفقدت شيئاً في آن واحد ، إضطراب وتضارب كثير لا تفهمه ولا تستطيع إستيعابه لكن عليها نفض كل هذا فوراً.
وسرعان ما جاءت السكرتيرة لتخبرهم بأن الأستاذ قد وصل توا وفي إنتظارهما فتحركا ودخلا ، وكان ذلك التحرك بالنسبة لروح هو إشارة مباشرة للعودة إلى أرض الواقع ومحاولة أن تكون على طبيعتها.
دخل الإثنان وجلسا متقابلين أمام المكتب وما كانت لحظات حتى رأى حامد مراد قادم نحوه فوقف ليسلم عليه وبينما مراد قادم نحوه إذ لمح بطرف عينه روح ، إنها هي.. صاحبة أجمل عيون.. كتلة الدلال والرقة المتحركة.. ياإلهي ! هل أنا محظوظ لتلك الدرجة ؟!! إذن فذلك الجمال النادر هي صاحبة الأنامل السحرية التي تسحرني دائماً بروائع طبخها.
وضع يده على فمه ليخفي إبتسامته التي حاول كتمها لكنها أبت وخرجت ثم سلم على حامد وقال بترحاب: مرحباً بكم ، نورتونا.
فإنتبهت روح فجأة لذلك الصوت ، هل لحقت تحفظه ؟ فوقفت من فورها والتفتت نحوه ، إنه هو ،يا إلهي ! ما تلك الورطة ؟!
مد مراد يده ليصافحها فترددت قليلاً ثم مدت يدها هي الأخرى وكأنها كانت تنتظر منه أي حركة أو خطأ لتهب فيه وتختلق أي مشكلة وتغادر المكان فوراً.
لكن طريقة مصافحته لها لم تضايقها إطلاقاً كما أن عينه لم تكن سوى معلقة بعينها بنظرة لها طابع خاص لم تعهدها بل لم تصادفها أبداً وكانت خالية من أي خبث كانت تتوقعه.
فأومأ حامد بيده يعرفهما ببعض قائلاً: أستاذ مراد عزمي المخرج ، أختي روح الفؤاد.
مراد بنفس نظرته مع إبتسامة نقية تخرج من قلبه وهو يقول: مرحباً بك ! لقد إزدادت شرفاً ، وتسلم يداكي على روائع طبخك التي قد ذهبت بعقلي حتى إني قد كتبت بعض الخواطر النثرية أمتدحها.
فضحك حامد وقال: سمعت عن كتّاب يكتبون في وصف حبيباتهم أو أوطانهم لكن وصف أطعمة... حقيقي جديدة ! ثم قهقه...
فتابه مراد مازحاً: اسخر اسخر ! بل إني قد انتويت نشرهم خاصة عقب ذلك الغداء الرائع ذلك اليوم يوم الفتة ومشتملاتها الفتاكة ، أما عن آخر مرة أرسلتي إليها بورق العنب ما تلك الروعة ! ولأول مرة أتذوق محشي للبصل وملفوف بين ورق العنب ماهذا ؟!! لقد تمنيت ألا ينتهي ، يلزم أن تقرئي خواطري تلك في وصف روائعك يا آنسة.
كانت تود لو تصيح في وجهه بسبب تلك التلميحات وتلك الطريقة التي يتحدث بها ، أو ربما هي تختلق أسباباً لكن حتى مع إختلاق الأسباب قد تحجر الكلام فجأة بداخل حنجرتها ، لكنها لم ترد إلا : مدام من فضلك.
ورغم كونها كلمة واحدة لكنها كانت رسالة صريحة منها إليه ، لكنها كانت كفيلة أن تشعره بطعنة فجائية ، وبدأ جاهداً يحاول السيطرة على نفسه وتعبيرات وجهه وإتجه يجلس على مكتبه.
بدا عليه بعض الإضطراب في طريقة فركه لوجهه ثم رفع سماعة هاتفه الداخلي وهو يسألهما بجدية: هل ترغبان في شرب قهوة أم مشروب آخر ؟
- ممكن كوب من القهوة المضبوطة ، وأنتِ يا روح ؟!!
أهدر بها حامد بينما تابعت روح بإقتضاب: أرغبها سادة.
فنظر نحوها مراد وقال: ثلاثة قهوة من فضلك ، واحدة مضبوطة وإثنان سادة.
فإلتفتت روح نحوه فجأة ثم عادت لوضعها ولازالت ليست على طبيعتها ، فلو كانت على طبيعتها لكانت الآن في طريقها للمنزل بعد صدام كبير تحدثه مع هذا المخرج.
كان مراد يحاول طيلة الوقت ألا ينظر نحوها وغمس نفسه في حوار العمل والحديث الرسمي دون أي مزحات وذاك قد أثار تعجب حامد ، فتلك ليست من طبيعة مراد أن يظل يتحدث بجدية هكذا ، لكنه أقنع نفسه أنه لقاء عمل و وقت العمل للعمل.
وروح أيضاً تعمدت ألا تنظر نحوهما إطلاقاً وطلت تنظر في قهوتها لكن أذنيها معهما ولم تتحدث سوى بضع كلمات قليلات عندما يوجه إليها سؤال فقط.
كان حامد متوقع سر هيئتها وهدوءها وظن أنه بسبب حذاءها ، لكن لم ينتبه أنها منذ أن جلست وقد خلعته وسندت بقدميها فوقه.
وبعد حديث طويل والإتفاق على كل التفاصيل هم حامد بالوقوف وهو يشير لأخته ليذهبا ، فارتدت حذاءها و وقفت لكن الألم شديد فجلست مرة أخرى فأمسك حامد بيدها لتقف وهو ينظر لها بتحذير لأ لا تحدث أي ضجة ومراد يلاحظ أن هناك أمر ما لم يفهمه لكنه قد استحيا أن يسأل وبدأ يتحرك نحو الباب ليودعهما.
لكن ما أن سارت روح بضع خطوات وهي تأن قليلاً حتى سقطت فجأة على الأرض وهي تتألم.
فهمس إليها حامد بغضب مكتوم: هلا احترستي ؟!! هيا انهضي !
فتدخل مراد بنبرة مدافعة عنها: أنت من عليك الإحتراس لألا تسقط منك ، أمسك بها جيداً.
فساعدها حامد على النهوض حتى وقفت ثم جلست على كرسي أحضره مراد ووضعه خلفها لكنها فجأة خلعت حذاءها وصاحت بغضب: لن أرتديها.
فزمجرحامد بتوعد: روووووح !
فأجابت بنفس الحدة: قدماي تؤلماني ولا أستطيع التحمل.
فتسآل حامد بإستخفاف: هل ستمشين حافية القدمين ؟!!
أومأت روح برأسها أن نعم وأجابت باستفزاز: أجل .
صاح حامد بغضب: روووووووح !!
تدخل مراد مجدداً قائلاً بهدوء: إهدأ يا حامد ، واضح أنها متعبة حقاً حتى أن قدميها قد جرحت .
ثم وجه حديثه نحوها وتابع: مدام روح ! كم هو مقاس قدميكي ؟
فأجابت بحدة وهجوم: ماذاااا ؟!!
تفاجأ مراد بهجومها ولا يدري لماذا إنتابه فجأة شعور بالضحك لكنه لا زال يجاهد نفسه ألا يفعل ثم قال: لم أقصد شيئاً سيدتي ، كل ما هنالك أن لي صديق صاحب محل للأحذية بالقرب من هنا سأتصل به ويحضر لك واحدة أكثر راحة ، ويمكنك الشراء منه فهو لديه تشكيلة كبيرة وكلها مريحة ، هه ! مقاسك ؟
فأجابت مضطرة: 38.
فاتصل من هاتفه وتحدث قليلاً وطلب حذاء موديل...... مقاس...... ، وبعد قليل جاء شخص ما يحمل الحذاء فقدمه لروح وارتدته ، حقاً قد أراحها كثيراً و حقاً أنيق.
فشكراه وانصرفا وهي تقول لنفسها هل يحفظ كل أرقام الموديلات أم تلك مجرد صدفة؟؟
.......................................
NoonaAbdElWahed
تعليقات
إرسال تعليق