رواية-العوض الجميل - الحلقات4:6- بقلم نهال عبد الواحد - مجلة سحر الروايات
( العوض الجميل)
الحلقة الرابعة
بقلم :نهال عبد الواحد
وافقت شفق علي دور الأم البديلة لشفق الطفلة في فترة الأجازة الصيفية.
كانت شفق تذهب كل صباح بنفس طريقتها إلا أنها كانت تنتقل بنفسها من شقتها للفيلا التي فيها أهل شفق.
كانت الفيلا في حي راقي وعالي المستوى لم تحلم يوماً بالدخول في منزل بذلك المستوي لم تراه إلا في المسلسلات لكنها كانت تدخل منخفضة الطرف ولا تمد عينيها وتدعو لهم بالبركة في داخلها وتحمد ربها علي ما هي فيه.
قضيت شفق الأجازة الصيفية معهم وقد أحبت هالة الجدة شفق كثيراً وأعتبرتها فردا من أفراد الأسرة خاصة مع أدبها وأخلاقها الطيبة تلك.
ذات يوم عادت شفق ليلاً لبيت والدها وتنتظر أخاها ككل يوم فتأخر كثيراً فظنت أنه لن يجيء ودخلت حجرتها لتنام.
وما أن بدأت في غفلتها حتي وجدت من يقتحم غرفتها فأفزعها إنه مصطفي ويبدو عليه أنه غير واعي وبدأ الخوف يدب في نفسها كثيراً.
شفق:عايز إيه ؟إيه اللي جابك هنا دي مش أوضتك.
مصطفي:عايز فلوس.
شفق:كنت خبطت عل باب طيب.
فصاح فيها:عايز فلووووس.
وبدأ ينهال عليها ضرباً مبرحاً وهي تصرخ وتحاول أن تحمي وجهها فجرت وفتحت الدرج وأعطته مالاً مسرعة لكنه لم يكتفي ففتح الدرج وأخذ الباقي .
شفق:طب سيبلي فلوس المواصلات حتي.
فأكمل عليها ضرباً ورفع أحد الكراسي ورماها به فصدته بذراعها حتي لا يصيب وجهها وانصرف وتركها تتألم بشدة خاصة من تلك الرمية الأخيرة .
ظلت تبكي وتتوجع حتي الصباح و تحاملت علي نفسها ونزلت واجتازت الطريق سيراً حتي وصلت لشقتها و دخلت وهو ذت حماما دافئاً ربما يسكن وجع جسدها وأخذت أقراص مسكنة ليزول الألم وأبدلت ملابسها وذهبت إلي بيت شفق.
كانت تحاول التصرف بشكل عادي وتتمني أن تقضي اليوم وينتهي سريعاً، لكن الوجع يزداد ولم تعد تتحمل ذلك الوجع الرهيب وكأن عيناها تبكي وحدها
من شدة الألم.
كانت هناك منذ مجيئها وتشعر أن هناك خطب ما فهي ليست علي طبيعتها وشاحبة للغاية لكن شفق بمجرد انفرادها بنفسها تلفتت حولها وهي تتألم ثم همت برفع كم ثوبها فوجدت هالة أمامها التي جاءتها علي الفور خاصة وأنها تبدو مهلكة وجعاً غير عادياً.
هالة:مالك فيكي إيه م الصبح ؟
شفق:لا أبداً مفيش ،قصدي تعبانة شوية.
هالة:شوية إيه!! ده انت ميتة! كنت اتصلتي وختي أجازة.
شفق بصوت مختنق يكاد يختفي من شدة الوجع:لا لا مفيش-داعي-أنا-كويسة-آااه.
هالة:مال إيدك ؟؟
شفق بتردد وبكذب واضح:و ولا -حاجة-أ أ أصل-وقعت-اتخبطت.
هالة بعدم تصديق:طب وريني كده.
ترددت شفق ثم اضطرت لرفع كم ثوبها وكانت لا تتصور أبداً كيف يبدو ما تحته لكنها صدمت عندما رأتها هكذا وكانت قد فقدت تماسكها وتحاملها وصارت تصرخ ألماً.
كان ساعدها متورما للغاية وبه إزرقاق شديد فصرخت فيها هالة وأخذتها مسرعة إلي المستشفى واتضح أن هناك عدة كسور في ساعدها وستجبر بالجبس وإن لم تستجيب فستجري لها عملية جراحية و توضع لها شرائح.
وضعت لها المحاليل والحقن المسكنة حتي هدأت ونامت نوما عميقا فهي لم تنم من زمن وكانت هالة والطفلة بجوارها ثم نامت الطفلة.
كانت شفق تهزي وهي نائمة و تصرخ و تتوسل وتستنجد وقد ذكرت اسم مصطفى كثيراً.
بدأت شفق تستيقظ بعد فترة فاقتربت هالة منها فنظرت بعين نصف مفتوحة و مبتسمة قليلاً تقول :ماما.
هالة :حمد الله علي سلامتك حبيبتي.
فتحت عينها كاملة وانتبهت وتحاملت لتعتدل في جلستها وهي تتلفت تحاول اسكتشاف ماهية المكان من حولها.
هالة:انت ف المستشفى ،إيديكي مكسورة يا حلوة.
فرفعت ذراعها المجبر تنظر إليه وشردت قليلاً ثم قالت:الله يسلم حضرتك ،ألف شكر لحضرتك.
هالة:عيب عليكي شكر إيه بس!! شفق انت مضروبة ،وضرب مش عادي، مين اللي عمل كده ؟؟! ومين مصطفي اللي كنتي بتصرخي منه ف كوابيسك ؟؟
فنظرت نحوها وحاولت أن تتهرب بعينها منها أو تهرب بحديث غير ذلك لكن للأسف لا مفر.
هالة:أنا من يوم ما عرفتك ودخلتي وسطنا وأنا مااعرفش حاجة عنك ،إيه حكايتك؟و واضح إنها حكاية مش عادية.
شفق:هقول لحضرتك أنا مااتعودتش عل كذب ف حياتي ،صحيح طول عمري مخبية حقيقتي عن كل الناس، وعارفة إن ممكن تقطعي علاقتك بي ومقدرة ده ومش هلومك ،بس برضو مش هكذب.
وقصت عليها شفق حياتها منذ صغرها وكيف أجر لها والدها تلك الشقة بعد أن صرف علي تعليمها كل ما يملك وكيف عملت في المدرسة..... وحتي الآن.
كانت تحكي وتبكي وهالة أيضاً تبكي حتي انتهت شفق من كلامها ثم تحاملت حتي وقفت حيث توقعت رد فعل هالة ولن تنتظر حتي تسمع رأيها فيها بأذنها.
هالة:رايحة فين؟
شفق:خلاص يا هانم بعد اللي عرفتيه عني ،إيه اللي هيخليني ؟؟
هالة:بس ده مش ذنبك ،بالعكس ده كبرك ف نظري أوي ،واحدة عايشة الحياة دي بكل ظروفك وتفضل محتفظة بمبادئها وأخلاقها كده ومش قصدي بس الإنحراف وإنها تستسهل ،لكن كمان كونك حد مش حقود وبتحبي الخير للناس وعندك رضا وقناعة و عزة نفس ما شوفتهاش عند حد قبل كده ولا حتي عند المتربيين عل عز ،اتوجعت عليكي حبيبتي ،بس إزاي ماسمعتيش كلام باباكي لحد دلوقتي وما سيبتيهوش وفضلتي ف شقتك ؟؟؟
شفق:عندي أمل ينصلح حاله ،ماليش غيره ف الدنيا. ،وبعدين مش متخيلة نفسي أقعد بطولي هنا ،بخاف أبات هناك لوحدي وبخاف أكتر لما بيبقي موجود.
هالة:القعدة دي ما تطمنش دول بيبقوا مش ف وعيهم وما حدش عارف الهباب ده ممكن يخليه يعمل إيه ،فكري حبيبتي أما وجودك ف حياتنا فده مفيهوش نقاش هتفضلي طبعاً ،بس هفضل قلقانة عليكي كل يوم من ساعة ما تروحي لحد ما تجيلي.
فابتسمت شفق بعبن دامعة حزينة قالت:بتفكريني بماما الله يرحمها.
هالة مبتسمة:ماانت قولتيها ،بس رجعتي ف كلامك بعد كده.
شفق:قولت ايه ؟
هالة:قولتي ماما وأنا حباها منك قولي كلمة ماما.
فابتسمت وترقرقت دموعها مجدداً وقالت :يا ماما.
فتعانقتا بشدة.
وبدأ العام الدراسي الجديد وعادت من جديد شفق تنهي يومها الدراسي ثم تعود لشقتها وتستقبل مجموعات التلاميذ للدروس الخصوصية.
وصار لا يمكن لها الذهاب لبيت شفق يومياً فكانت شفق الطفلة تذهب معها عقب موعد المدرسة إلى شقتها ثم ترسل هالة السائق إليها ليأخذها إلي البيت بعد أن تكون انتهت من واجباتها المدرسية و إستذكار دروسها.
وصارت شفق لا تذهب لزيارة هالة إلا في العطلة الأسبوعية فقط.
ومرت الأمور علي ما يرام أسبوعاً بعد أسبوع.
ونكمل الحلقة الجاية ،
NoonaAbdElWahed
( العوض الجميل)
الحلقة الخامسة
بقلم:نهال عبد الواحد
كانت شفق تشعر أنها تعيش أحلي أيام حياتها التي لم تكن تحلم بها فتشعر بأمومتها إتجاه شفق حتي وإن كان ما تقضيه معها مجرد ساعات قليلة و الطفلة كذلك تشعر بأن شفق هي العوض الجميل عن أمها المفقودة فكل منهما عوض للأخري.
وتشعر بحنان هالة الأم الذي افتقدته وهي تعاملها كإبنتها التي افتقدتها فصارت كل منهما عوض للأخري.
وذات يوم بينما شفق تدخل إلي الفيلا كعادتها إذا بصوت رجولي يستوقفها فإلتفتت ناحية مصدر الصوت فإذا به شاب طويل و عريض له ملامح وسيمة نوعاً ما يرتدي ملابس بسيطة ونظارة شمسية وقبعة وفي يده أداة لا تعرفها يبدو أنها تستخدم في تقليم الزرع.
الشاب:انت يا اللي داخلة هي وكالة من غير بواب رايحة فين كده ؟؟؟
شفق بفجأة :شكلك جديد هنا ولا إيه ؟؟!!!
الشاب:انت هتردي ع السؤال بسؤال ؟
شفق:حضرتك إحنا شغالين ف مكان واحد يعني زملا ما يصحش طريقتك دي.
الشاب :زملاااااااا !
شفق:انت الجنايني الجديد ؟؟
الشاب:جنايني !!!
شفق:بعتذر لحضرتك ،المسئول عن الجنينة والزرع ، حلو كده ؟؟
الشاب:وتطلعي مين حضرتك ؟؟
شفق:أنا التيتشر بتاعة شفق.
الشاب:دادة يعني.
سكتت قليلاً ثم تحدثت بهدوء :علي فكرة كلمة جنايني كانت غير مقصودة وأنا اعتذرت عليها.
الشاب:وجعتك أوي إنك الدادة بتاعتها ؟!!
فقالت ولا تزال تحافظ على هدؤها :علي فكرة أنا مايهمنيش رأي اللي حوالي في أو ف حاجة بعملها ما دمت مقتنعة بيها ومش غلط ، كون حضرتك شايفني دادة فده ما يهمنيش عادي جدا ،عل إذنك.
ودخلت وتركته مستشاط غضباً.
وفي يوم آخر كانت شفق تدخل الفيلا فإذا بنفس الصوت :متأخرة يعني إنهاردة ؟؟
شفق:معلش المواصلات زحمة.
الشاب:مواصلااااااات !! ليه ما عندكيش عربية ؟؟
شفق :لا للأسف ، ربنا يبعت.
وكانت شفق تتحدث ولا تركز عينها إليه كعادتها عندما تحادث الرجال وإن كان غير واضح خلف النظارة الشمسية لكن من يدقق بشدة ربما يلاحظ ذلك.
الشاب:انت إيه ، ما عندكيش ذوق ؟؟
شفق بصدمة :نعععععععم !!!!
الشاب:ما تعرفيش إن من الذوق وانت بتكلمي حد تبصيله ف وشه وتبقي عينك في عينيه.
شفق:بس مش من الحياء ولا الدين إني أبحلق في وش راجل غريب.
الشاب:ليييييه ؟!مش بتقولي زملا ؟؟؟
شفق:غريب بمعني مش محرم لي ، وبعدين النضارة دي مش مبينة حاجة ،خت بالك إزاي ؟؟!!!
الشاب:خت بالي وخلاص.
شفق:طيب. وهمت بالدخول.
الشاب:يا ميس شفق !!
شفق:افندم ،بحسبك خلصت خناق.
وكاد أن يبتسم ثم قال :انت عمرك ما سألتيني عن إسمي !
شفق:علي فكرة لو كنت سيبتها أعتقد كان هيبقي ألطف كتير.
الشاب:هي إيه دي ؟
شفق:الإبتسامة اللي كانت ناوية تطلع وكبستها زي ما بتكبسني علي طول ،ده حتي التبسم صدقة وهتاخد عليها ثواب ،حاجة لوجه الله يعني.
الشاب:أنا برضو اللي بكبسك ! أمال انت إيه ؟! وختي بالك كمان إني كنت هبتسم !
شفق بإرتباك:بدون قصد ، عل إذنك.
الشاب:انت مستعجلة كده ليه ؟؟
شفق:عشان الوقفة معاك هنا تضييع وقت ومالهاش معني ،عل إذنك.
الشاب:بس انت لسه ماعرفتيش إسمي.
شفق:اتفضل .
الشاب:وليد !
شفق:اهلا وسهلا ،عل إذنك.
وانصرفت فقال :عاملة زي القطر بالظبط تمشي طوالي وخلاص.
وفي يوم آخر وطبعاً صوت وليد.
وليد:هو انت لازم تبصي أدامك وانت ماشية ؟
شفق مفزوعة :بسم الله الرحمن الرحيم ، انت بتطلع منين ؟ الناس بتقول صباح الخير ولا أي تحية مناسبة، مش تكبس كده.
وليد:ما ردتيش يعني ؟
شفق:نعم ، اتفضل اتخانيء يلا.
فتأفف وقال: باشوفك بتبصي أدامك علي طول وانت ماشية.
شفق:هو في طريقة تانية للمشي ! مش فاهمة !
وليد:يعني اتعودت الناس تدور علي ،انت إيه بأه يعني مثلاً مابتدوريش علي وانت داخلة.
شفق:أدور عليك !!
فضحكت فنظر إليها وليد و وجم ثم قال:هو أنا قولت نكتة؟؟!!
شفق:آسفة مش قصدي ، بس هدور عليك ليه ؟
وليد:يعني تشوفيني مثلاً ؟
شفق:شكلك يا إما بتجر شكلي يا إما مغرور.
وليد:مش قولتي إننا زملا ،يعني تدوري علي وتسلمي وتطمني كمان.
شفق:واضح إنك بتحب تضييع الوقت بجانب حبك للمناقرة والخناق.
وليد:بأه أنا بحب تضييع الوقت ؟؟
شفق:طب في حاجة تانية لسه ما قولتهاش ؟؟
وليد:أنا غلطان اني باخد وأدي معاكي ف الكلام.
شفق:يارب تخلص إنهاردة ، دماغي فيها اللي مكفيها.
وليد:بتفكري ف إيه يعني؟
فقالت بوجه مشرق وباسم :دلوقتي بفكر في شفق حبيبة قلبي اللي بتوحشني من سواد الليل ،متهيألي لو عندي بنت مش هحبها كده ،بفكر في ماما هالة وأد إيه مستنياني ووحشاني و وحشاها أوي من الأسبوع للأسبوع.
وليد:ماما هالة !!
شفق:أصلنا ارتاحنا لبعض وحبينا بعض أوي ،لدرجة إننا حاسينا ناحية بعض إننا أم وبنتها ، مع حفظ المقامات طبعاً فطلبت مني أقولها ياماما ، وكأني ما صدقت.
فنظر إليها قاضبا حاجبيه ثم قال :اممممممم!! وانت مامتك فين أمال ؟
فتبدل وجهها تماماً بشكل ملحوظ :الله يرحمها ماتت هي وبابا ف حادثة عربية.
وانهمرت دموعها فجأة بغزارة دون سابق إنذار فأحزنه ذلك وندم علي ذلك السؤال و ود لو لم يسأله.
وليد:أنا كنت بسأل مجرد سؤال ، خلاص خلاص.
لكنها لم تتوقف وكأن الدموع كانت علي باب عينها وفتح الباب وانتهزت تلك الفرصة ونزلت شلالات دون توقف.
فأخرج منديلا من جيبه وجذب النظارة الشمسية ليمسح دمعها فنظرت له بفجأة علي تلك الجرأة.
كان لشفق عينين عسليتين عندما ترى في ضوء النهار وخاصة في ضوء الشمس يتبدل لونهما ...
ويا ويل من ينظر وقتها لتلك العيون !!
وجم وليد قليلاً عندما رآها ثم قال :إيه العينين دي ؟!
فصدمت شفق أكثر من قولته تلك فخطفت نظارتها واختفت من أمامه.
وبعد أن انصرفت قال محدثا نفسه :إيه الهباب اللي هببته ده ،بأه هي بتعيط لما افتكرت أهلها اللي ف حادثة وأنا بقول إيه !!
لا بس العيون دي جامدة ، هو في كده ، أتاريها لابسة نضارة شمس علي طول وما بترفعهمش ف وش حد ، طبعاً كان زمان ضحايا العيون دول بالكوم.
ده مايتسابش أبداً.
أنا عمري ما حد خطفني كده.
ونكمل الحلقة الجاية ،
NoonaAbdElWahed
( العوض الجميل)
الحلقة السادسة
بقلم :نهال عبد الواحد
وذات يوم كانت شفق تدخل إلي الفيلا ولم يكن موجوداً فوقفت قليلاً في مكانها دون أن تلتفت ثم أكملت سيرها للداخل وكان وليد يتابعها عن بعد .
دخلت شفق وأكملت يومها مع شفق و جلست مع هالة لكن كان عقلها مزحوم بالأفكار.
ماذا دهاكي ياشفق ؟لم تبدين هكذا؟
توقفي ، ما تأملي به هو حلم بعيد المنال.
هل نسيتي حقيقتك ؟حقيقتك التي لن يقبل بها أحد.
إن الناس لا يشغلهم إلا المظاهر فلن يهتموا إطلاقاً بعملك ولا إلي ما وصلتي له.
لو علمت الحقيقة التي عشتي عمرك تخفينها عن الجميع ،لم تصادقي أحدا حتي لا يتقرب إليكِ ويكشف الحقيقة،فليس كل الناس مثل هالة.
لكن ماذا عن علاقة وارتباط، لا يمكن إخفاء حقائق فيها ،تري هل سيقبلها؟
وإن قبلها وود الذهاب لرؤية ذلك المكان الذي يزداد توحشا وفسادا،
تلك المنطقة التي هرب منها معظم سكانها ولم يتبقي سوي فئة أكثرهم منحرفين ومتعاطين للمخدرات، وإن جاء وسأل عني فسيسمع أقبح الكلمات .
إنهم لم يكفوا يوماً منذ وفاة والداي عن إيذائي و رميي فأفظع التهم والمسميات .
وماذا عن أخيكي أيضاً ؟!
هيا انفضي كل ذلك ولا تتطلعي إلي ما لا تستطيعين تحقيقه.
كانت تمسك كتابا في يدها وشاردة هكذا وجالسة في الحديقة فإذا بوليد يجيء غلي فجأة ويخطف الكتاب فأفزعها من مكانها وقبل أن تتلاقط أنفاسها كان يتصفح في الكتاب ثم قال :بتقرئي إيه ؟إييييييه ؟!!!(فن اللامبالاة) وانت ناقصة لا مبالاة ؟! دي البعيدة لوح تلج ما بيتهزش... إيه ؟!
وقرأ.....
"إذا انتابك شعور سيء تجاه نفسك ولو مدة خمس دقائق فإنك تجد نفسك علي الفور أمام مئات الصور لأشخاص سعداء تماماً يعيشون حياة مدهشة إلي أقصي حد ويصير مستحيل أن ترد عن نفسك الإحساس بأن فيك بالتأكيد أشياء غير صحيحة حتي يكون وضعك أقل منهم ،
هذا ما يجعل عدم اكتراثك بأن يكون لديك شعور سيء تجاه نفسك وتجد أنك قد توقفت عن كره نفسك إن الرغبة في المزيد من التجارب الإيجابية هو تجربة سلبية.
كلما كنت شديد الرغبة في أن تكون ثريا كلما شعرت بأنك فقير لاقيمة له وذلك بصرف النظر عن مقدار ما تجنيه من مال "
(فن اللامبالاة)
إمممممممم مش بطال.
شفق:تقدر تاخده تقراه لو حابب.
وليد:لا شكرا.
شفق :ليه هيفيدك كتير ، تعرف إيه اللي تهتم بيه وإيه اللي ماتبصلهوش خالص، أصل اللي بيركز ف كل حاجة ومع كل الناس ده بيتعب جدا، ركز ف نفسك وبس ، ومش دايما التطلعات للأحسن بتكون مفيدة ساعات بتحسسك بضائلتك.
وليد:اممممم ،وانت بأه إيه اللي بتركزي فيه ولا بيأثرك ولا بينرفزك أصلاً؟
شفق:مركزة ف نفسي وشغلي ، و بتنرفز لما بشوفك.
فضحك بشدة وقال:طب والله طلع دمك خفيف.
وكان وليد يدقق النظر فيها بشكل أخجلها.
شفق:من فضلك دي مش طريقة.
وليد:بحاول أتأكد إن كان ده لون عينيكي ده حقيقي ولا لانسز.
شفق:وده هيفيدك ف إيه ؟!! عموما ماخدش هيلبس نضارة نظر ولانسز مع بعض.
وليد:طب ما تعملي لانسز وبلاش النضارة وبيني جمال عينيكي.
فتورد وجهها خجلا وقالت:من فضلك يا حضرة دي مش طريقة، وبعدين أنا مبسوطة كده ،من فضلك بأه.
وليد:عموما أحسن.
شفق:واضح إن حضرتك عندك فراغ كتير في حياتك وبتحب تضيع وقت كتير ،لكن ياريت تحط ف بالك إني لا بتاعة دغري ولا بتاعة تسلية.
وليد:بصرف النظر إن كان عندي فراغ أو لا، مش بتاعة تسلية دي مفهومة ،لكن مش بتاعة دغري دي يعني إيه ؟!!! فاكرة نفسك .....
فقاطعته:مش فاكرة نفسي أي حاجة علي فكرة، وعارفة إني مش الأملة ولا ملكة جمال ، بس عاجبة نفسي و راضيه بيها علي أي حال، وعارفة ومتأكدة إن عمر ما حد هيبصلي لا مال ولا عيلة وعادية وكمان عديت ال 30 يبقي الواحد ياخدها من قصيرها ويقفل الباب ده.. في حاجة تانية؟؟
وليد:انت شايفة انت عادية ، ده تواضع بأه!! وبعدين طريقة التفكير دي قديمة قوي ،إزاي واحدة مثقفة ولبقة زيك تفكر كده ؟!
شفق:مش أنا اللي بفكر كده ، ده تفكير المجتمع ماحدش بقيم حد لشخصه.
وليد:بس أكيد في ناس بتفهم.
شفق:حسب اللي حوالي بتلاقي البنت المجتهدة الصبورة اللي عندها إستعداد تدي وتآزر نصها التاني بيقع نصيبها ف واحد مستهتر مس بيتحمل أي مسئولية وبيرمي كل حاجة عليها ،والعكس الشاب المجتهد الطموح بيقع مع واحدة أنانية مالهاش غير ف المظاهر و طلباتها ما بتخلصش ومهما يديها ولا يعملها لا حمد ولا شكر وتقلل منه وكأنه ولا حاجة ،دي كمان ممكن تسيبه و تروح لغيره.
لم تنتبه شفق أثناء حديثها لذلك الوجه الذي يتبدل فيزداد حنقا وغضبا ، وما أن أنهت كلامها حتي فوجئت بوليد ثائر للغاية ويصيح فيها :كفاية كفاية كلكم عينة واحدة ، كلكم زي بعض.
وألقي بالكتاب وانصرف فجأة ولم تفهم شفق ماذا حدث ، لكنها أدركت أنها قد ضغطت علي جرح قديم فصار ينزف من جديد.
اختفي وليد بعدها بأسابيع ولم تعد تراه و ودت لو تسأل عنه لكنها استحيت من ذلك.
تري ماذا يعني هذا ؟هل هو مريض؟هل ترك عمله ؟
وإن تركه فهل بسببها ؟
كم تمنت ألا يكون هذا بسببها .
وبعد فترة طويلة كانت شفق تحب السير في الحديقة خاصة الجلوس بجانب حوض ورد قد بدأ يزهر فتجلس وتستنشق عطره وتتلمس تلك الزهور في مكانها برقة.
وبينما هي شاردة إذ شعرت بوجود شخص جالس جانبها شعرت بأن قلبها كاد أن يقتلع من مكانه من قوة ضرباته فالتفتت جانبها فإذا هو ثم استدارت بوجهها تنظر أمامها كما كانت وابتسمت.
شفق:فينك يا بشمهندس ؟! روحت وقولت عدولي.
وليد:يعني تقدري شوية ظروف علي شوية مشغوليات.
شفق:خوفت لتكون سيبت الشغل واشتغلت ف حتة تانية ، قصدي... إني أكون السبب يعني.
واستدارت بوجهها لتخفي ذلك الإرتباك وتلك الحمرة.
وليد:أنا بشتغل ف حتة تانية صحيح لكن عمري مااسيب هنا.
شفق:الله يعينك ويقويك ويفتحها ف وشك.
وليد في اندهاش:انت بتدعيلي ؟!!
شفق :وماله.
وليد:بس انا دايما بضايقك.
شفق:يا إما طبع يا إما ضغوط عندك وبتنفسها ف وش اللي أدامك.
وليد:محللة نفسية كمان!!
شفق: مش للدرجة دي.
وليد:انت بجد إزاي كده ؟!! هادية دايما وبتعرفي تلاقي عذر للي أدامك ؟!!
شفق:عادي.
وليد:بلاش تجنيني وتقوليلي عادي.
شفق: اسمحلي أسألك سؤال.
وليد:اتفضلي.
شفق:انت علاقتك بربك شكلها إيه ؟؟
وليد:هه !! يعني إيه ؟؟
شفق:ربنا خلقنا جسد وعقل و روح ، الجسد من تراب فغذائه من تراب أيا كان نوع الأكل ، والعقل غذائه دايما العلم والقراءة ، لكن الروح غذائها إيه ؟
وليد:إيه ؟؟!!!
شفق:ربنا قالنا إن الروح من أمر ربي ، فيبقي غذائها كلام ربنا والذكر بكل أنواعه ، متضايق مخنوق مش متظبطة معاك طول الوقت لازم تراجع علاقتك بربك، وأبسط حاجة بتصلي ؟؟
وليد بفجأة :هه!!
لم تنتظر الإجابة فقد ادركتها فاكملت :الصلاة بتخلق السكينة والهدوء ف النفس و بتفكر الذنوب كمان بس مش الكبائر.
وليد:وايه الفرق؟؟؟
شفق:الكبائر ذنب عظيم زي الشرك وعقوق الوالدين والزنا وحاجات كتير كمان و...
قد لاحظت مرة أخرى وجه وليد وأدركت أنه ربما فعل من تلك الأشياء فابتلعت ريقها ببطء ثم قالت :بس دول لوحدهم لأن بيلزم التوبة منهم وعشان لو واحد كان بيعمل الحاجات دي فده أكيد لأن في سبب خلاه يعمل الحاجات دي فلازم يقعد مع نفسه ويعرف السبب اللي بيخليه يعمل كده ولما يعرف السبب يقدر يحل الموضوع من جذوره ويتخلص منه وربنا يتوب عليه.
وليد:فعلا.
شفق: ".... والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا علي ما فعلوا وهم يعلمون "
يعني يحس بذنبه ويسيبه وينوي ما يرجعش تاني ويستغفر ربه فربنا يتوب عليه.
كانت شفق تتحدث بأسلوب هادئ جذبه وأقنعه كثيراً وفجأة صوت أذان العصر وبعد إنتهاء الأذان.
شفق:سامع ! ده صوت الأذان ، أحسن بشري ليك ، ربنا بينادي عليك وعايزك ، روحله روح يا وليد اتوضأ وصلي ف المسجد شوفهم بيعملوا إيه واتعلم منهم أحسن ، صحبة بيوت ربنا أحسن صحبة ممكن تلاقيها عشان لله ف لله ، ويمكن ربنا جعلني في طريقك و ألهمني أقولك الكلام ده عشان عايزك ، أصلك وحشته.
كان وليد في حالة لم يعهدها من قبل شعر بهدوء شديد و حلاوة تتسرب بداخله و أحس بنفسه فاقد السيطرة علي نفسه فاقتنع بكلامها كثيراً وذهب بالفعل للمسجد ولم تكن آخر مرة بل كانت البداية لحياة وطريق جديد له.
لو ف يوم كان الحمل عليك ثقيل
وتايه لوحدك ومش لاقي دليل
والهموم تخلي الليل طويل
وترميك ف غربة ومرارة و ويل
مد إيديك تلقاه دايما حواليك
هو الله قبلك حاسس بيك
لو ف يوم خدتنا معاصي أو ذنوب
وخافت قلوبنا ما تقدر تتوب
وتشكي الروح ومين بالسر ليه تبوح
ومين اللي يقدر يداوي الجروح
قول ياالله ده منك مش بعيد
متشلش هم ولا تشعر بضيق
قول ياالله
اهدي لي قلبي عشان أتوب
امحي الذنوب واهديلي الطريق
نورلي الطريق
إن شاء الله إن شاء الله
إن شاء الله هتلاقي الطريق
ونكمل الحلقة الجاية ،
NoonaAbdElWahed
تعليقات
إرسال تعليق