سحر الروايات تكتب: زائروا العاشرة مساء- مي ياسين
القصة الخامسة
أنانية
القصة الخامسة
أنانية
الإختيار الخطأ، ربما الإجبار، البدائل المختلفة، كلها يجعلونك عرضة للألم والوجع اللا متناهي ، ومع مرور الأيام تتضح العواقب التي يخلفها الألم
الاستسلام لمرضٍ ينهش الجسد مثل حيوان مفترس أنهكه الجوع لا يعبأ بشئ سوى سد رمقه، لا يبالِ ماذا يلتهم حين ينتهي .. تدركه الصدمة.
وقف أحمد بجانب مكتبته الصغيرة الممتلئة بالكتب، ينتقي كتابا ليقرأه كي يسبح فيه ينتقل من عالم إلى أخر، يبحث عن ذاته . بعيدا عن حيرته ، سوف لن يترك التفكير يأخذ منه مثل ليلته الماضية، يقف وينتظر أمام النافذة، يسترق السمع من حين إلى أخر متسائلا لماذا لم تطرق بعد؟؟
اليوم عزم على القراءة.
جال ببصره كثيرا حتى توقف أمام واحدٍ يقرأ عنوانه المدوّن في الجانب ، ( أين تذهب الأرواح المعلقة) ( بوابة العبور)
تعجب منه كثيرا مد يده وأخرجه من بين مجموعته الخاصة بالأرواح والأجساد.
ظل شاخصَ العينين دون أن يطرف جفناً ، شاردا فقد أتعبه التفكير، أنهكه الخوف مما يحدث له.
لا يتذكر عدد المرات التي إرتجف جسده خائفا، .
يزفر بضيق قائلا ومحركا رأسه عدة مرات في يأس:-
نعم إن الخوف غريزة لامناص ، فطرة خُلقنا عليها لا فرار منه ولا يمكن التخلص منها أيضا.
أغلق مكتبته بعد أن أخرج الكتاب مضيفا:_
تبا للفضول القاتل.
تعجب كثيرا من هذا الكتاب متسائلا : متى أتيت به؟؟
تحرك خطوتين صوب مكتبه وهو يطالع مايحمله، ضيق مابين حاجبيه وأخذ يحرك بؤبؤ عينيه في محاولة منه للتذكر لم يستطع الوصول لإجابة شافية، رغم ذلك الا أنه فرح به قائلا :_ ربما أجد فيه الإجابة على جميع التساؤلات التي تدور في عقلي، الكثير والكثير..
وصل إلي مكتبه، سحب الكرسي وجلس عليه، عيناه مصوبة عليه ، وضعه أمامه وفتحه، وقبل أن يقرأ نظر إلى الساعة المعلقة إنها السادسة والنصف ردد في نفسه مازال الوقت مبكرا ...
بدأ يطالع كنزه في فضول ليبدأ بقراءة المقدمة بصوت هامس...
هل لكل منا بوابة عبور للعالم الأخر؟
أم بوابة واحدة ذات مفارق كثيرة ولكل مفرق بوابة؟؟
هل تستطيع إجتياز بوابتك بإرادتك، أم أنك ستكون مجبرا عليها،يجب أن تعرف، لا يمكن المناص منها؟؟؟
من هم الحائرون؟؟؟
رفع أحمد رأسه يفكر فيما قرأه، حك ذقنه في عدم فهم.
لم تزده الأسئلة إلا حيرة فوق حيرته، مرددا :_
هل يحق لي إجتياز ماأريد أثناء العبور، أم حقا أنا مجبر؟؟
ماذا يقصد بالحائرون؟؟ أهم ماأريد . جوابا عنهم ؟؟؟
الفضول بوابة الاكتشاف، إما الهاوية أو الإرتقاء بالنفس، فمع البحث تنكشف الحقائق وتظهر.
طوى أحمد ظهر الكتاب يقرأ الفهرس، يتبين له أنها فصول وكل واحد لا علاقة له بما قبل.
وضع سبابته يقرأ، يمرر الواحد تلو الأخر قائلا :_سأقراهم فيما بعد.
أخذ يقرأ حتى وصل إلى مبتغاه مرددا :-
الحائرون بين الحياة والموت.
رفع أحد حاجبيه في دهشة، محدثا نفسه :_
ياله من عنوان غريب، هل حقا سأصل إلى ماأريد.
جال ببصره يبحث عن رقم الصفحة، أخذ يحرك الصفحات حتى وصل إلى مبتغاه.
إسترعته البداية التي شرع بقرائتها.
ماذا يريد الحائرون؟ ولم غادروا ؟
هل حقا يودون العودة لحياتهم، أم أنهم أحياء حقا لكنهم غير مرئيين ، تلاشت أجسادهم ولم يتبقَ منهم سوى أرواح هائمة.
لم يستوعب عقله ماقرأه بين السطور، كلما قرأ تثور الأسئلة داخل عقله قائلا :-
ماهذا أشعر أنني داخل متاهة مبهمة، تطرح الكثير من التساؤلات تجعلني أبحث عن نفسي .
يستكمل قرائته :
إنها رسائل مبهمة بين السطور، ما إن تفهم ستراه أمامك دون أن أكلفك عناء البحث.
فتح أحمد فمه للأسفل في عدم فهم..
أدار الصفحة يستكمل :
ما إن تستقر الروح في جسد الطفل داخل رحم أمه، يأتي على الحياة بعد ذلك، ليبدأ في مرحلة أخرى وهي النضوج، فيها يستطيع تمييز كل شئ حوله، تبدأ روحه في التجزأ ، هذه المرحلة من الحياة تتلاحم فيها الأجزاء، أي نتشارك بكل جزء منها مع شخص أخر، لكلٍ نصيب في التلاحم، جزء منا يتلاحم روحيا مع من نحب دون أن ندرك هذا، ليس شرطا أن شريكنا يحمل لنا الشعور نفسه، تكتمل الروح بهذا التلاحم، نتشبث به ، فتتعدد الارتباطات لنا ، و واحد فقط من نهب له الروح نادرا مايكون شعوريا.
حلقة من التلاحمات تشبه الدائرة متماسكة وكل منا يظن أن البداية معه.
أثناء رحيل الروح تبدأ في التفكك، تتحطم حلقة تلو الأخرى ماعدا حلقة واحدة ، البداية ، التي نتشبث بها، تلك الحلقة قد تخلق أحلاما جميلة، أو (كابوسا مزعجا ) ، نادرا ماتكون رسائل مسموعة.
هذا الالتحام يكون خاص بأول جزء في التواصل، مثل القلب جزء واحد يحمل كتلة من المشاعر تتجزا على من نحبهم.
هل تتلاحم الأرواح؟؟
يظن البعض أن التلاقي بين المحبين، (لكنه يمكن أن يكون ) بين محب وكاره.
فقد نتواصل روحيا مع الشخص الخطأ، ليس بالضرورة أن يكون محبا، ربما يكون باغضا ناقما علينا لا يبادلنا الشعور ذاته، لا ندرك هذا التشبث..
قد يظهر هذا منذ البداية، أو تباعا على فترات مجزئة.
هذا ما سأخبرك به.
سأطرح لك مثالا للمحبين.
أثناء الموت..
أتعلم أن الجسد يرفض الولوج لعالمه لأنه يشتاق لشخص ما.
المرأة التي أبى جثمانها أن يدخل المسجد كي يقيموا على روحها صلاة الجنازة أتدري لم ؟؟
كانت تشتاق لشخص تواصلت معه روحيا قبل أن يأتي مسرعا رسائل غير مرئية لنا كما أخبرتك.
أتعلم أنه ما إن وصل المسجد وقال لقد أتيت ياأمي لبيت نداءك دخلت وأقيمت صلاة الجنازة.
هل تصدق ماأقوله لك،
دعني أستوضح معك أمرا، لماذا يرسل الله تعالي الروح أثناء النوم، عالم أخر مليئ بصور ومواقف غريبة، عوالم لا تدري كنهها، عندما تستيقظ يبدأ عقلك في التفسير و استرجاع كل ما مررت به ، تكتشف أنها رسالة فيها رجاء ، طلب أو غيره ..
هذه الروح تربطك معها علاقة روحية هي من أردات وإختارت.
تتلاحم الروئ كرسائل مغناطيسية.
أراك منبهرا، تفكر و هذا حقك، جولة أخرى ستفقدك عقلك أكثر.
هل تؤمن بالرسائل المكتوبة؟
يجب أن تعلم أنها من أشخاص لا يتحدثون ولا يكتبون ليس جهلا، لقد فقدوا أجسادهم في عالم الوعي أي بين الأحياء، لا يملكون فرصة تحريك أجسادهم بل هم أرواح طالبوا باستعارة أجسادهم التي تلاشت، من أجل إيصال رسائلهم المعلقة.
أغمض أحمد عينيه عدة مرات، شعر بدلو من الماء الساخن ينسكب فوق رأسه، لا يصدق مايراه..
إذا ستعرف معي من هم الحائرون.
إنهم مثل أقطاب المغناطيس قطب موجب ملتحم مع أخر سالب( ينفره يحدث تنافر بينهم ، الاقطاب المتشابهة هي ال بتتنافر ، كدة هنغير نقول ، سالب مع سالب او سالب يريد أن ينجذب لسالب آخر )
هنا لا يمهله أو يعطيه الفرصه بل كلما إقترب زادت حدة النفور.
هذا ماأعنيه.. لا تندهش.
نختار الأشخاص الخطأ في التلاحم.
نادرا ما يلتحم الشخص مع نقيضه الذي كان يحمل له الكثير في يومٍ ما.
قد تتبدل الأدوار، إلى أن يبدأ الجسد في التلاشي، حينها تكتشف الأقرب لك...
الموت هو الحقيقة الثابتة في الحياة وما بعدها.
هل تظن أن الروح لا تشعر، تتألم، أو تندم!!
قد يتوقف المرور على مسامحتك أو رفضك، عقبة مخيفة.
هل تظن أن بوابتك قد تتبدل أثناء سيرك،....
شعر أحمد بتثاقل شديد في رأسه، لا يصدق مايقرأه.
يقول :-
لقد أقحمت نفسي في طريق لا نهاية له ، لا أستطيع العودة مرة أخرى، ولا يمكنني المواصلة.
وضع أسفل ذقنه على الكتاب، ثقلت عيناه دون أن يشعر ليغط في سبات عميق......
الذكريات بوابة مميزة تحمل الكثير منها الصالح والطالح، نستعيدها وقت الحاجة إليها،...
عندما يغلق الزمن أبوابه نبدأ في نفض الغبار المتراكم على مدار سنوات ، منا من يرسم البسمة على ثغره، ومنا من تترقرق عيناه حزنا على أشياء ذهبت دون أن ينهل منها.
إنتفض أحمد فزعا من غفوته التي يبست رأسه علي أصوات متعددة بكاء صغار، وضحكات مخيفة، ثم تتحول إلى صرخات وتلاطم، ونحيب إمرأة تتوسل.
إلتفت أحمد حوله ثم عاد برأسه يطالع الساعة..
إنها العاشرة...
يعم السكون بعد لحظات...
إستدار ينظر مايحدث حوله في دهشة، تبدء الطرقات على النافذة مرة ثم الثانية الثالثة ، تباعا، كأن صاحبها على عجل من أمره.
إنفرجت النافذة على مصرعيها، كادت أن تنكسر، ظهر خلفها شخص أو شبح مخيف تقشعر له الأبدان.
جثة متهدلة مسخ رخو مخيف ، جمجمة مهشمة كليا، تبرز منها عظام صغيرة مدببة، عينان متهدلة ساقطة للخارج شريان صغير رفيع جدا يمسكها حتى لا تسقط تتحرك عليه حشرات غريبة سوداء تصعد من أعلى إلى أسفل تتراقص عليها كأرجوحة، أو مثل بندول، المختلف هنا نهايتها عين.
لايملك أنفا، شفاه مقطوعة و مشقوقة عدة شقوق عميقة ، بداخل كل واحد منها الكثير من الديدان إتخذتها منزل أو مسكن للاختباء داخلها ، لم تخلو الدماء اليابسة على وجه من حشرات مختلفة ، أسنان مهشمة، لسانه أبى البقاء في الداخل ليعلن تمرده وينقطع إلا من جزء بسيط يتمسك به يرجوه بعدم إنفاصلهم.
تعجب أحمد من رقبته ال ساقطة للأسفل بين عظام (
الترقوة محشورة بينهما ، أكتاف رخوة لو نزعنا ماتبقى من جلد ستسقط تباعا مثل زجاج متناثر.
تبا للحشرات التي تتحرك في جسده بأريحية شديدة، دود كبير الحجم أسود اللون، تفوح من جسده رائحة كريهة بغيضة تشبه الجيفة، لا يملك ضلوعا مجرد نتؤات عفنة فوق عظام مطوية على بعضها كطي الصفحات، يظهر عموده الفقري مثل أنبوب متداخل فوق بعضه البعض، لو شاهدته بمفرده ستنكر أنه العمود الاستقامة في الجسد كله، بدونه لن نكون..
تعجب أحمد من شى غريب قابض داخله، كمثرى الشكل، هل يعقل أن يكون القلب، لونه مائل للسواد.
ضيق أحمد مابين حاجبيه، يصوب بصره ، يتساءل هل مايراه حقيقي، دقات نعم إن هذا الشئ ينبض، ماهذا
أيعقل فالقلب لونه أحمر قاني ، ترى ماذا فعل حتى تبدل هكذا؟؟
ذراعان متهدلان مرتخيان مثل ورقة طائرة ، نصفه الثاني لا يقل سوء بل أكثر ، كأن حجارة كبيرة سقطت عليه سحقت جسده. .
شفق أحمد عليه كثيرا، نهض من كرسيه، كاد أن يسقط أرضا، عندما رأي جيوش كثيرة من حشرات متأهبة لمجابهة عدو لها، إقشعر بدنه وإنتفض عاد بظهره للخلف،و صوت طقطقة عظامه مخيف، شعر أن الأرض تموج به لا يحتمل مايراه ، تقزز من هيئته المزرية التي تتبدل أو تتأكل ، مازال المسخ واقفا لا يقوى على الحراك أو الدفاع عن نفسه ، الغريب هنا أن بؤبؤ عينه يتحرك ، حاول أن يؤمي براسه تجاه بقعة معينة، عيناه المتدليه تتراقص، نكس أحمد رأسه ينظر إلى الأرض،.
تبدل المشهد، أظلمت الغرفة الا من بكاء تردد صداه في الأجواء ليعم الصمت بعدها.
عادت الإضاءة، تبدلت الغرفة لتكون في منزل صغير جدا، منظم وجميل يحمل البساطة في كل شي، أمامه صغيران يحبوان، وشابة جميلة تركض خلفهم تداعبهم في سعادة توقف هذا المشهد على شاب في منتصف الثلاثين وسيم وجه مستدير أنف متوسط، شفاه متوسطه، أبيض البشرة، يرتدي تيشرت أصفرر على بنطال أزرق، يقف حزين أمام المرآة ، ثم هدر بصوته عاليا :-
لابد أن تعملي وتجني أمولا، لم أعد استطيع ، لقد وجدت لكي عملا في منزل لثلاثة من الشبان، تخدمينهم وتأخذي أجرك ، لتجلبي طعام لصغارك.
نظرت له بحدة وقبل أن تتحدث إستطرد حديثه وهو يدير ظهره لها :-
وإن لم تفعل ماأمرك به سنترك المنزل لا أملك المال ، سننتقل إلى مكان أخر أقل مالا، حينها لن تلومي الا حالك.
تحركت صوبه وقالت بتحد :-
موافقة سنغادر، منذ متى لقد تبدلت يا عادل كثيرا، إتركنا وإرحل لن أعمل عند رجال، هل فقدت النخوة إلى هذه الدرجة، الا تغار على، تستبيح جسدي للغرباء، لا والله لن أغضب الله.
ظهرت ملامح الحنق على وجهه وإستطردت حديثها :-
نموت جوعا ولا أغضب الله، لن يتركني.......
لم تكمل حديثها ليباغتها بصفعة قوية أردتها أرضا ، ثم إنهال عليها ضربا وسبا، لم يعبأ بصرخات الصغار حوله، بل حاولت إبعادهم حتى لا ينال أحد منهم.
شعر بالتعب، إبتعد عنها لتقول له بصوت باكِ:-
رضيت لي بهذا يازوجي، هانت عشرتي وأولادك أي ذنب إقترفوه معك سوى أنك أباهم.
تعجب أحمد كثيرامتمتما في نفسه :-
إنك لديوث.
إستدار يطالع المسخ في كرهه ونفور.
تبدلت الغرفة كليا، وجد أحمد نفسه داخل غرفة سيئة كريهة، جدرانها عطنة، تفوح منها رائحة عفن، على الأرض بقايا فراش متأكل،في الجانب غطاء أو أكثر لونه مائل للسواد مغبر، كأنه أخرج من الوحل ، في زاوية الغرفة إمرأة في منتصف الثلاثين شاحبة الوجه رغم جمالها الباهت، تحتضن طفلان، لم يكملوا أربعة أعوام، متماثلي في الملامح والجسد ، يرتدون ثياب رثة مهلهلة متهدلة الخيوط، مليئة بالرقع التي ترجوهم أن يلقوها لا يرتدونها ، يبكون ويصرخون، يشيرون بأناملهم الصغيرة تجاه بقعة ما ، كلما زاد صراخهم، ضمتهَم بقوة وهي تبكي لحالهم ، تذكر أحمد هذة الشابة كيف كانت جميلة، والان كيف تبدل حالها وغزا الحزن ملامحها.
حرك رأسه إلى البقعة التي أشار عليها الصغار، يرى رجل أربعيني يرتدي قميص أزرق نظيف، وبنطال أسود ، يجلس في زواية صغيرة على الارض، أمامه منضدة تحمل أصناف الطعام ، التقط الطعام وحركه أمامهم ثم وضعها في فمه لاكها في نهم وتلذذ، تملص الصغير من حضن أمه مسرعا، وركض تجاه والده إختطف بعض اللقيمات قبل أن يضعها في فمه الصغير، إنتفض عادل والشرر يتطاير من عينيه ، إختطفها منه وباغته بصفعة قويةو ركلة أسقطته على رأسه.
وضعها في فمه، عاد وأكمل طعامه ، دون أن يعبأ ببكاء الصغير، نظرت له زوجته و قالت :-
لنا رب يا عادل لن يتركنا.
إغرورقت عين أحمد، وضع يده على فمه يخفى صرخة كادت أن تعلن تمردها مما يراه.
حرك رأسه يطالع عادل وقال في حزن ظهر في صوته :إن الحيوانات رؤفة بصغارها.
نظر إلى الصغار أراد أن يحتضنهم لا يستطيع.
لملم عادل مابقى منه، جمعه ثم حمله معه وقبل أن يغادر الغرفة قال:-
هل مازلتِ رافضة العمل؛؟
لايدري أحمد من أين أتت بهذة الشجاعة.
نظرت له بتحد وكبرياء وأجابت :-
سنتان مرتا على أنا وصغاري مازلنا على قيد الحياة، القحط الذي نعيشه لن يغير شيئا ، لا يا عادل لن أعمل،
ضحك بخبث حاول أن يخفي غضبه وغيظه من ردها وقال :-
إذا استعدي لمغادرة الغرفة، وجدت لكي مأوى على جانب الطريق.
أنهى كلماته التي أصابت قلبها خوفا وهلعا على صغارها بكت بشدة ، بعد قليل سمعت طرقات على الباب، هرع الصغار نحوه بجانبهم أمهم، فتحته وجدت إمراة تحمل طعام إبتسمت ومدت يدها ، أخذته الشابة في حياء إستدارت السيدة وغادرت.
جلست الأم وأطعمت صغارها، ولم تكف دموعها عن الهطول.
تغير المشهد إلى عادل القي مافي يده ، أخرج هاتفه الذي يضى أجاب عليه ، بعد قليل أنهى المكالمة ثم أشار لسيارة أجرة، أخبره وجهته، وصل إلى بقعة سكنية حديثة المباني ، هادئة، لا يوجد قاطنين ، وقف أمام عمارة كبيرة، متعددة الطوابق، دلف إليها كي يصعد في المصعد لم يلاحظ الورقة التي سقطت، مكتوب بها
جاري الصيانة في المصعد وبجانبه صورة لجمجمة عليها علامة إكس، اي خطر.
لم يلاحظها بل فتحه وأغلق بابه ضغط على زر الطابق العاشر، بعد قليل وصل إليه، تحرك يفتح الباب حاول مرارا دون جدوى ، صرخ وبكى ، مد يده مسرعا و أخرج هاتفه يخبر صديقه، إهتز المصعد عدة مرات، ثم أصدر صوتا يشبه الصرير ليهوي به ساقطا للاسفل ، مثل صاروخ تم برمجته لوجه معينة ، ما إن هبط حتى دوي إنفجار مكتوم، إرتج المسكن قليلا و عادت الأمور لنصابها...
ظل في المصعد أياما كثيرة، نظرا لوجود أخر.
لم يهرع من فيها فقد كانت حديثة، لا يقطن أحد بها سوى طابق أو اثنان.
لم يعبأ أحد، ظل المصعد هكذا فترة من الزمن.
نحن نختار الأصعب دائما، ظننا منا أننا قادرين على تخطيه، نتناسي أن الحياة تمد لنا يدها بفرص مميزة، لا نكترث لها، لتأتي المصائب والنكسات تباعا، تتبدل المجابهة إلى يأس....
أظلم كل شئ ، ثوان مرت عادت الغرفة لطبيعتها ، مازال المسخ واقفا لا تستطيع أن تعرف ماذا يشعر.
حاول أحمد النهوض، ليلفحه هواء مترب تحولت الغرفة إلى دوامة هوائية مليئة بالصراخ والاستغاثات ، إقترب المسخ من أذن أحمد، ظهرت ورقة وقلم، شرع أحمد بكتابة
لن يكفي طلب الغفران وحده، ليتني مافعلت، أرجو منك السماح حتى أعبر، كي أنال جزاء ماإقترفته في حقك وحق أولادي....
انا عادل لكني لم عالا يوما معك، ظلمتك كثيرا أرجو منك السماح، أنا الآن في مكان مقفر، الموتى حولي يبغضونني، يكرهون هيئتي المزرية..
انا وحيد هنا، لا حول لي ولا قوة، أريد أن أرحل وأتدثر بغطاء أبيض.....
تذكري...... إبتعد المسخ عن أحمد الذي ثقلت رأسه وقبل أن يغط في النوم، غاص المسخ في الدوامة المخيفة.
عاد السكون للغرفة، وراح أحمد في سبات عميق، وهو مازال مفترش الأرض.
إستيقظ أحمد صباحا، يشعر بالوهن والتعب، جسده يؤلمه من نومته أمس..
إعتدل واقفا ثم أبدل ملابسه والتقط الورقة من الأرض، طالعها بكره وعدواة، حدثه قلبه بتمزيق الورقة أوالقائها، لكنها مسئولية حملها على عاتقة، غادر منزله وذهب إلى العنوان الذي أملاه عليه المسخ،
طرق الباب فتحت له إمرأة حزينة تتلفح بالسواد خلفها الصغار يطالعونه في دهشة، حياها براسه ومد يده بالورقة ثم لاذ بالفرار
تنوي
ه....
يوجد لغز هنا في الرسالة، قريبا سينقشع اتمنى أن تنول إعجابكم
مي ياسين
أنانية
القصة الخامسة
أنانية
الإختيار الخطأ، ربما الإجبار، البدائل المختلفة، كلها يجعلونك عرضة للألم والوجع اللا متناهي ، ومع مرور الأيام تتضح العواقب التي يخلفها الألم
الاستسلام لمرضٍ ينهش الجسد مثل حيوان مفترس أنهكه الجوع لا يعبأ بشئ سوى سد رمقه، لا يبالِ ماذا يلتهم حين ينتهي .. تدركه الصدمة.
وقف أحمد بجانب مكتبته الصغيرة الممتلئة بالكتب، ينتقي كتابا ليقرأه كي يسبح فيه ينتقل من عالم إلى أخر، يبحث عن ذاته . بعيدا عن حيرته ، سوف لن يترك التفكير يأخذ منه مثل ليلته الماضية، يقف وينتظر أمام النافذة، يسترق السمع من حين إلى أخر متسائلا لماذا لم تطرق بعد؟؟
اليوم عزم على القراءة.
جال ببصره كثيرا حتى توقف أمام واحدٍ يقرأ عنوانه المدوّن في الجانب ، ( أين تذهب الأرواح المعلقة) ( بوابة العبور)
تعجب منه كثيرا مد يده وأخرجه من بين مجموعته الخاصة بالأرواح والأجساد.
ظل شاخصَ العينين دون أن يطرف جفناً ، شاردا فقد أتعبه التفكير، أنهكه الخوف مما يحدث له.
لا يتذكر عدد المرات التي إرتجف جسده خائفا، .
يزفر بضيق قائلا ومحركا رأسه عدة مرات في يأس:-
نعم إن الخوف غريزة لامناص ، فطرة خُلقنا عليها لا فرار منه ولا يمكن التخلص منها أيضا.
أغلق مكتبته بعد أن أخرج الكتاب مضيفا:_
تبا للفضول القاتل.
تعجب كثيرا من هذا الكتاب متسائلا : متى أتيت به؟؟
تحرك خطوتين صوب مكتبه وهو يطالع مايحمله، ضيق مابين حاجبيه وأخذ يحرك بؤبؤ عينيه في محاولة منه للتذكر لم يستطع الوصول لإجابة شافية، رغم ذلك الا أنه فرح به قائلا :_ ربما أجد فيه الإجابة على جميع التساؤلات التي تدور في عقلي، الكثير والكثير..
وصل إلي مكتبه، سحب الكرسي وجلس عليه، عيناه مصوبة عليه ، وضعه أمامه وفتحه، وقبل أن يقرأ نظر إلى الساعة المعلقة إنها السادسة والنصف ردد في نفسه مازال الوقت مبكرا ...
بدأ يطالع كنزه في فضول ليبدأ بقراءة المقدمة بصوت هامس...
هل لكل منا بوابة عبور للعالم الأخر؟
أم بوابة واحدة ذات مفارق كثيرة ولكل مفرق بوابة؟؟
هل تستطيع إجتياز بوابتك بإرادتك، أم أنك ستكون مجبرا عليها،يجب أن تعرف، لا يمكن المناص منها؟؟؟
من هم الحائرون؟؟؟
رفع أحمد رأسه يفكر فيما قرأه، حك ذقنه في عدم فهم.
لم تزده الأسئلة إلا حيرة فوق حيرته، مرددا :_
هل يحق لي إجتياز ماأريد أثناء العبور، أم حقا أنا مجبر؟؟
ماذا يقصد بالحائرون؟؟ أهم ماأريد . جوابا عنهم ؟؟؟
الفضول بوابة الاكتشاف، إما الهاوية أو الإرتقاء بالنفس، فمع البحث تنكشف الحقائق وتظهر.
طوى أحمد ظهر الكتاب يقرأ الفهرس، يتبين له أنها فصول وكل واحد لا علاقة له بما قبل.
وضع سبابته يقرأ، يمرر الواحد تلو الأخر قائلا :_سأقراهم فيما بعد.
أخذ يقرأ حتى وصل إلى مبتغاه مرددا :-
الحائرون بين الحياة والموت.
رفع أحد حاجبيه في دهشة، محدثا نفسه :_
ياله من عنوان غريب، هل حقا سأصل إلى ماأريد.
جال ببصره يبحث عن رقم الصفحة، أخذ يحرك الصفحات حتى وصل إلى مبتغاه.
إسترعته البداية التي شرع بقرائتها.
ماذا يريد الحائرون؟ ولم غادروا ؟
هل حقا يودون العودة لحياتهم، أم أنهم أحياء حقا لكنهم غير مرئيين ، تلاشت أجسادهم ولم يتبقَ منهم سوى أرواح هائمة.
لم يستوعب عقله ماقرأه بين السطور، كلما قرأ تثور الأسئلة داخل عقله قائلا :-
ماهذا أشعر أنني داخل متاهة مبهمة، تطرح الكثير من التساؤلات تجعلني أبحث عن نفسي .
يستكمل قرائته :
إنها رسائل مبهمة بين السطور، ما إن تفهم ستراه أمامك دون أن أكلفك عناء البحث.
فتح أحمد فمه للأسفل في عدم فهم..
أدار الصفحة يستكمل :
ما إن تستقر الروح في جسد الطفل داخل رحم أمه، يأتي على الحياة بعد ذلك، ليبدأ في مرحلة أخرى وهي النضوج، فيها يستطيع تمييز كل شئ حوله، تبدأ روحه في التجزأ ، هذه المرحلة من الحياة تتلاحم فيها الأجزاء، أي نتشارك بكل جزء منها مع شخص أخر، لكلٍ نصيب في التلاحم، جزء منا يتلاحم روحيا مع من نحب دون أن ندرك هذا، ليس شرطا أن شريكنا يحمل لنا الشعور نفسه، تكتمل الروح بهذا التلاحم، نتشبث به ، فتتعدد الارتباطات لنا ، و واحد فقط من نهب له الروح نادرا مايكون شعوريا.
حلقة من التلاحمات تشبه الدائرة متماسكة وكل منا يظن أن البداية معه.
أثناء رحيل الروح تبدأ في التفكك، تتحطم حلقة تلو الأخرى ماعدا حلقة واحدة ، البداية ، التي نتشبث بها، تلك الحلقة قد تخلق أحلاما جميلة، أو (كابوسا مزعجا ) ، نادرا ماتكون رسائل مسموعة.
هذا الالتحام يكون خاص بأول جزء في التواصل، مثل القلب جزء واحد يحمل كتلة من المشاعر تتجزا على من نحبهم.
هل تتلاحم الأرواح؟؟
يظن البعض أن التلاقي بين المحبين، (لكنه يمكن أن يكون ) بين محب وكاره.
فقد نتواصل روحيا مع الشخص الخطأ، ليس بالضرورة أن يكون محبا، ربما يكون باغضا ناقما علينا لا يبادلنا الشعور ذاته، لا ندرك هذا التشبث..
قد يظهر هذا منذ البداية، أو تباعا على فترات مجزئة.
هذا ما سأخبرك به.
سأطرح لك مثالا للمحبين.
أثناء الموت..
أتعلم أن الجسد يرفض الولوج لعالمه لأنه يشتاق لشخص ما.
المرأة التي أبى جثمانها أن يدخل المسجد كي يقيموا على روحها صلاة الجنازة أتدري لم ؟؟
كانت تشتاق لشخص تواصلت معه روحيا قبل أن يأتي مسرعا رسائل غير مرئية لنا كما أخبرتك.
أتعلم أنه ما إن وصل المسجد وقال لقد أتيت ياأمي لبيت نداءك دخلت وأقيمت صلاة الجنازة.
هل تصدق ماأقوله لك،
دعني أستوضح معك أمرا، لماذا يرسل الله تعالي الروح أثناء النوم، عالم أخر مليئ بصور ومواقف غريبة، عوالم لا تدري كنهها، عندما تستيقظ يبدأ عقلك في التفسير و استرجاع كل ما مررت به ، تكتشف أنها رسالة فيها رجاء ، طلب أو غيره ..
هذه الروح تربطك معها علاقة روحية هي من أردات وإختارت.
تتلاحم الروئ كرسائل مغناطيسية.
أراك منبهرا، تفكر و هذا حقك، جولة أخرى ستفقدك عقلك أكثر.
هل تؤمن بالرسائل المكتوبة؟
يجب أن تعلم أنها من أشخاص لا يتحدثون ولا يكتبون ليس جهلا، لقد فقدوا أجسادهم في عالم الوعي أي بين الأحياء، لا يملكون فرصة تحريك أجسادهم بل هم أرواح طالبوا باستعارة أجسادهم التي تلاشت، من أجل إيصال رسائلهم المعلقة.
أغمض أحمد عينيه عدة مرات، شعر بدلو من الماء الساخن ينسكب فوق رأسه، لا يصدق مايراه..
إذا ستعرف معي من هم الحائرون.
إنهم مثل أقطاب المغناطيس قطب موجب ملتحم مع أخر سالب( ينفره يحدث تنافر بينهم ، الاقطاب المتشابهة هي ال بتتنافر ، كدة هنغير نقول ، سالب مع سالب او سالب يريد أن ينجذب لسالب آخر )
هنا لا يمهله أو يعطيه الفرصه بل كلما إقترب زادت حدة النفور.
هذا ماأعنيه.. لا تندهش.
نختار الأشخاص الخطأ في التلاحم.
نادرا ما يلتحم الشخص مع نقيضه الذي كان يحمل له الكثير في يومٍ ما.
قد تتبدل الأدوار، إلى أن يبدأ الجسد في التلاشي، حينها تكتشف الأقرب لك...
الموت هو الحقيقة الثابتة في الحياة وما بعدها.
هل تظن أن الروح لا تشعر، تتألم، أو تندم!!
قد يتوقف المرور على مسامحتك أو رفضك، عقبة مخيفة.
هل تظن أن بوابتك قد تتبدل أثناء سيرك،....
شعر أحمد بتثاقل شديد في رأسه، لا يصدق مايقرأه.
يقول :-
لقد أقحمت نفسي في طريق لا نهاية له ، لا أستطيع العودة مرة أخرى، ولا يمكنني المواصلة.
وضع أسفل ذقنه على الكتاب، ثقلت عيناه دون أن يشعر ليغط في سبات عميق......
الذكريات بوابة مميزة تحمل الكثير منها الصالح والطالح، نستعيدها وقت الحاجة إليها،...
عندما يغلق الزمن أبوابه نبدأ في نفض الغبار المتراكم على مدار سنوات ، منا من يرسم البسمة على ثغره، ومنا من تترقرق عيناه حزنا على أشياء ذهبت دون أن ينهل منها.
إنتفض أحمد فزعا من غفوته التي يبست رأسه علي أصوات متعددة بكاء صغار، وضحكات مخيفة، ثم تتحول إلى صرخات وتلاطم، ونحيب إمرأة تتوسل.
إلتفت أحمد حوله ثم عاد برأسه يطالع الساعة..
إنها العاشرة...
يعم السكون بعد لحظات...
إستدار ينظر مايحدث حوله في دهشة، تبدء الطرقات على النافذة مرة ثم الثانية الثالثة ، تباعا، كأن صاحبها على عجل من أمره.
إنفرجت النافذة على مصرعيها، كادت أن تنكسر، ظهر خلفها شخص أو شبح مخيف تقشعر له الأبدان.
جثة متهدلة مسخ رخو مخيف ، جمجمة مهشمة كليا، تبرز منها عظام صغيرة مدببة، عينان متهدلة ساقطة للخارج شريان صغير رفيع جدا يمسكها حتى لا تسقط تتحرك عليه حشرات غريبة سوداء تصعد من أعلى إلى أسفل تتراقص عليها كأرجوحة، أو مثل بندول، المختلف هنا نهايتها عين.
لايملك أنفا، شفاه مقطوعة و مشقوقة عدة شقوق عميقة ، بداخل كل واحد منها الكثير من الديدان إتخذتها منزل أو مسكن للاختباء داخلها ، لم تخلو الدماء اليابسة على وجه من حشرات مختلفة ، أسنان مهشمة، لسانه أبى البقاء في الداخل ليعلن تمرده وينقطع إلا من جزء بسيط يتمسك به يرجوه بعدم إنفاصلهم.
تعجب أحمد من رقبته ال ساقطة للأسفل بين عظام (
الترقوة محشورة بينهما ، أكتاف رخوة لو نزعنا ماتبقى من جلد ستسقط تباعا مثل زجاج متناثر.
تبا للحشرات التي تتحرك في جسده بأريحية شديدة، دود كبير الحجم أسود اللون، تفوح من جسده رائحة كريهة بغيضة تشبه الجيفة، لا يملك ضلوعا مجرد نتؤات عفنة فوق عظام مطوية على بعضها كطي الصفحات، يظهر عموده الفقري مثل أنبوب متداخل فوق بعضه البعض، لو شاهدته بمفرده ستنكر أنه العمود الاستقامة في الجسد كله، بدونه لن نكون..
تعجب أحمد من شى غريب قابض داخله، كمثرى الشكل، هل يعقل أن يكون القلب، لونه مائل للسواد.
ضيق أحمد مابين حاجبيه، يصوب بصره ، يتساءل هل مايراه حقيقي، دقات نعم إن هذا الشئ ينبض، ماهذا
أيعقل فالقلب لونه أحمر قاني ، ترى ماذا فعل حتى تبدل هكذا؟؟
ذراعان متهدلان مرتخيان مثل ورقة طائرة ، نصفه الثاني لا يقل سوء بل أكثر ، كأن حجارة كبيرة سقطت عليه سحقت جسده. .
شفق أحمد عليه كثيرا، نهض من كرسيه، كاد أن يسقط أرضا، عندما رأي جيوش كثيرة من حشرات متأهبة لمجابهة عدو لها، إقشعر بدنه وإنتفض عاد بظهره للخلف،و صوت طقطقة عظامه مخيف، شعر أن الأرض تموج به لا يحتمل مايراه ، تقزز من هيئته المزرية التي تتبدل أو تتأكل ، مازال المسخ واقفا لا يقوى على الحراك أو الدفاع عن نفسه ، الغريب هنا أن بؤبؤ عينه يتحرك ، حاول أن يؤمي براسه تجاه بقعة معينة، عيناه المتدليه تتراقص، نكس أحمد رأسه ينظر إلى الأرض،.
تبدل المشهد، أظلمت الغرفة الا من بكاء تردد صداه في الأجواء ليعم الصمت بعدها.
عادت الإضاءة، تبدلت الغرفة لتكون في منزل صغير جدا، منظم وجميل يحمل البساطة في كل شي، أمامه صغيران يحبوان، وشابة جميلة تركض خلفهم تداعبهم في سعادة توقف هذا المشهد على شاب في منتصف الثلاثين وسيم وجه مستدير أنف متوسط، شفاه متوسطه، أبيض البشرة، يرتدي تيشرت أصفرر على بنطال أزرق، يقف حزين أمام المرآة ، ثم هدر بصوته عاليا :-
لابد أن تعملي وتجني أمولا، لم أعد استطيع ، لقد وجدت لكي عملا في منزل لثلاثة من الشبان، تخدمينهم وتأخذي أجرك ، لتجلبي طعام لصغارك.
نظرت له بحدة وقبل أن تتحدث إستطرد حديثه وهو يدير ظهره لها :-
وإن لم تفعل ماأمرك به سنترك المنزل لا أملك المال ، سننتقل إلى مكان أخر أقل مالا، حينها لن تلومي الا حالك.
تحركت صوبه وقالت بتحد :-
موافقة سنغادر، منذ متى لقد تبدلت يا عادل كثيرا، إتركنا وإرحل لن أعمل عند رجال، هل فقدت النخوة إلى هذه الدرجة، الا تغار على، تستبيح جسدي للغرباء، لا والله لن أغضب الله.
ظهرت ملامح الحنق على وجهه وإستطردت حديثها :-
نموت جوعا ولا أغضب الله، لن يتركني.......
لم تكمل حديثها ليباغتها بصفعة قوية أردتها أرضا ، ثم إنهال عليها ضربا وسبا، لم يعبأ بصرخات الصغار حوله، بل حاولت إبعادهم حتى لا ينال أحد منهم.
شعر بالتعب، إبتعد عنها لتقول له بصوت باكِ:-
رضيت لي بهذا يازوجي، هانت عشرتي وأولادك أي ذنب إقترفوه معك سوى أنك أباهم.
تعجب أحمد كثيرامتمتما في نفسه :-
إنك لديوث.
إستدار يطالع المسخ في كرهه ونفور.
تبدلت الغرفة كليا، وجد أحمد نفسه داخل غرفة سيئة كريهة، جدرانها عطنة، تفوح منها رائحة عفن، على الأرض بقايا فراش متأكل،في الجانب غطاء أو أكثر لونه مائل للسواد مغبر، كأنه أخرج من الوحل ، في زاوية الغرفة إمرأة في منتصف الثلاثين شاحبة الوجه رغم جمالها الباهت، تحتضن طفلان، لم يكملوا أربعة أعوام، متماثلي في الملامح والجسد ، يرتدون ثياب رثة مهلهلة متهدلة الخيوط، مليئة بالرقع التي ترجوهم أن يلقوها لا يرتدونها ، يبكون ويصرخون، يشيرون بأناملهم الصغيرة تجاه بقعة ما ، كلما زاد صراخهم، ضمتهَم بقوة وهي تبكي لحالهم ، تذكر أحمد هذة الشابة كيف كانت جميلة، والان كيف تبدل حالها وغزا الحزن ملامحها.
حرك رأسه إلى البقعة التي أشار عليها الصغار، يرى رجل أربعيني يرتدي قميص أزرق نظيف، وبنطال أسود ، يجلس في زواية صغيرة على الارض، أمامه منضدة تحمل أصناف الطعام ، التقط الطعام وحركه أمامهم ثم وضعها في فمه لاكها في نهم وتلذذ، تملص الصغير من حضن أمه مسرعا، وركض تجاه والده إختطف بعض اللقيمات قبل أن يضعها في فمه الصغير، إنتفض عادل والشرر يتطاير من عينيه ، إختطفها منه وباغته بصفعة قويةو ركلة أسقطته على رأسه.
وضعها في فمه، عاد وأكمل طعامه ، دون أن يعبأ ببكاء الصغير، نظرت له زوجته و قالت :-
لنا رب يا عادل لن يتركنا.
إغرورقت عين أحمد، وضع يده على فمه يخفى صرخة كادت أن تعلن تمردها مما يراه.
حرك رأسه يطالع عادل وقال في حزن ظهر في صوته :إن الحيوانات رؤفة بصغارها.
نظر إلى الصغار أراد أن يحتضنهم لا يستطيع.
لملم عادل مابقى منه، جمعه ثم حمله معه وقبل أن يغادر الغرفة قال:-
هل مازلتِ رافضة العمل؛؟
لايدري أحمد من أين أتت بهذة الشجاعة.
نظرت له بتحد وكبرياء وأجابت :-
سنتان مرتا على أنا وصغاري مازلنا على قيد الحياة، القحط الذي نعيشه لن يغير شيئا ، لا يا عادل لن أعمل،
ضحك بخبث حاول أن يخفي غضبه وغيظه من ردها وقال :-
إذا استعدي لمغادرة الغرفة، وجدت لكي مأوى على جانب الطريق.
أنهى كلماته التي أصابت قلبها خوفا وهلعا على صغارها بكت بشدة ، بعد قليل سمعت طرقات على الباب، هرع الصغار نحوه بجانبهم أمهم، فتحته وجدت إمراة تحمل طعام إبتسمت ومدت يدها ، أخذته الشابة في حياء إستدارت السيدة وغادرت.
جلست الأم وأطعمت صغارها، ولم تكف دموعها عن الهطول.
تغير المشهد إلى عادل القي مافي يده ، أخرج هاتفه الذي يضى أجاب عليه ، بعد قليل أنهى المكالمة ثم أشار لسيارة أجرة، أخبره وجهته، وصل إلى بقعة سكنية حديثة المباني ، هادئة، لا يوجد قاطنين ، وقف أمام عمارة كبيرة، متعددة الطوابق، دلف إليها كي يصعد في المصعد لم يلاحظ الورقة التي سقطت، مكتوب بها
جاري الصيانة في المصعد وبجانبه صورة لجمجمة عليها علامة إكس، اي خطر.
لم يلاحظها بل فتحه وأغلق بابه ضغط على زر الطابق العاشر، بعد قليل وصل إليه، تحرك يفتح الباب حاول مرارا دون جدوى ، صرخ وبكى ، مد يده مسرعا و أخرج هاتفه يخبر صديقه، إهتز المصعد عدة مرات، ثم أصدر صوتا يشبه الصرير ليهوي به ساقطا للاسفل ، مثل صاروخ تم برمجته لوجه معينة ، ما إن هبط حتى دوي إنفجار مكتوم، إرتج المسكن قليلا و عادت الأمور لنصابها...
ظل في المصعد أياما كثيرة، نظرا لوجود أخر.
لم يهرع من فيها فقد كانت حديثة، لا يقطن أحد بها سوى طابق أو اثنان.
لم يعبأ أحد، ظل المصعد هكذا فترة من الزمن.
نحن نختار الأصعب دائما، ظننا منا أننا قادرين على تخطيه، نتناسي أن الحياة تمد لنا يدها بفرص مميزة، لا نكترث لها، لتأتي المصائب والنكسات تباعا، تتبدل المجابهة إلى يأس....
أظلم كل شئ ، ثوان مرت عادت الغرفة لطبيعتها ، مازال المسخ واقفا لا تستطيع أن تعرف ماذا يشعر.
حاول أحمد النهوض، ليلفحه هواء مترب تحولت الغرفة إلى دوامة هوائية مليئة بالصراخ والاستغاثات ، إقترب المسخ من أذن أحمد، ظهرت ورقة وقلم، شرع أحمد بكتابة
لن يكفي طلب الغفران وحده، ليتني مافعلت، أرجو منك السماح حتى أعبر، كي أنال جزاء ماإقترفته في حقك وحق أولادي....
انا عادل لكني لم عالا يوما معك، ظلمتك كثيرا أرجو منك السماح، أنا الآن في مكان مقفر، الموتى حولي يبغضونني، يكرهون هيئتي المزرية..
انا وحيد هنا، لا حول لي ولا قوة، أريد أن أرحل وأتدثر بغطاء أبيض.....
تذكري...... إبتعد المسخ عن أحمد الذي ثقلت رأسه وقبل أن يغط في النوم، غاص المسخ في الدوامة المخيفة.
عاد السكون للغرفة، وراح أحمد في سبات عميق، وهو مازال مفترش الأرض.
إستيقظ أحمد صباحا، يشعر بالوهن والتعب، جسده يؤلمه من نومته أمس..
إعتدل واقفا ثم أبدل ملابسه والتقط الورقة من الأرض، طالعها بكره وعدواة، حدثه قلبه بتمزيق الورقة أوالقائها، لكنها مسئولية حملها على عاتقة، غادر منزله وذهب إلى العنوان الذي أملاه عليه المسخ،
طرق الباب فتحت له إمرأة حزينة تتلفح بالسواد خلفها الصغار يطالعونه في دهشة، حياها براسه ومد يده بالورقة ثم لاذ بالفرار
تنوي
ه....
يوجد لغز هنا في الرسالة، قريبا سينقشع اتمنى أن تنول إعجابكم
مي ياسين
تعليقات
إرسال تعليق