رواية- روح الفؤاد - الحلقات 14:16- بقلم نهال عبد الواحد - مجلة سحر الروايات
(روح الفؤاد)
الحلقة الرابعة عشر
بقلم : نهال عبد الواحد
خرج روح وحامد من مكتب مراد على موعد قريب للبديء في تحضيرات البرنامج ، وطوال الطريق كان حامد يؤنب روح ويعنفها علي تصرفاتها غير اللائقة و ردودها الحادة وبعد وصولهما للبيت ومعرفة أيمن بما حدث ظل هو الآخر يؤنبها ويحثها على تغيير طريقتها وأسلوب تعاملها مع الآخرين.
لكن يمكن وصف حال روح بتلك المقولة المصرية :
«اللي اتلسع (حرق) من الشوربة ينفخ في الزبادي ».
ربما لم تكن روح تسمع لأي منهما فهي في عالم آخر عند ذلك اللقاء على الدرج ،ماذا جرى لك ياروح ؟!! وكيف ستتعاملي معه في الأيام المقبلة ؟!
كم يبدو الأمر صعباً !!
وقررت معرفة الكثير عنه و تتبع أخباره عبر مواقع التواصل الإجتماعي.. ربما لم تقرأ شيئاً عنه بقدر ما شاهدت عدد كبير من صوره ، وتعجبت من فعلتها التي لم تفعلها من قبل ولا حتى في مراهقتها ، ولاإرادياً وجدت نفسها تحفظ بعض من تلك الصور على هاتفها.
أما مراد فمنذ أن غادروا ولأيام متتالية وهو يفكر كيف سيتعامل معها ؟! فمشهد عينيها الرماديتين وهي بين يديه لا يفارقه أبداً وكلما نظر إليها سيتذكر ذلك المشهد ، يجب أن يمسحه من ذاكرته فكيف ينظر لإمرأة متزوجة ؟! تري لم ذلك الإختبار الصعب ؟! لمَ أنجذب هكذا لها وتحركت كل مشاعري نحوها ؟! كيف تسربتي بداخلي ؟وبعد ذلك أجدك لرجل غيري !هو أمر صعب حقاً بل غاية في الصعوبة، ولماذا أتعجب من كونها متزوجة ؟! إن كانت أمثالها لا تتزوجن فمن تتزوج إذن ؟!!
أشعر بحقد وغل وكره كبير لذلك الزوج ، وأتمنى لو أرى هذا المحظوظ الذي أسرها وخطفها وصارت مليكته أما أنا فعلي أن أعض في الأرض ، لا بل ربما إن رأيته أشبعه ضرباً.
مهلاً يا مراد ! هل أصابك الجنون ؟!
لا بل أصابني عشق كبير !
مرت الأيام وجاء اليوم المتفق عليه موعد تصوير إعلان البرنامج وقد جاء مع روح أخويها وإيمان وزينب فتلك هي كل عائلتها الآن .
وكان المفترض أن يكون علي هيئة فقرة تقولها وتظهر بعد ذلك في مقاطع ( شوتات) مختلفة كل منها بهيئة بهيئة وملابس مختلفة.... كم تبدو رائعة الجمال !!
خاصة عندما سار معها مراد داخل الأستوديو ليخبرها أين تقف بالضبط ويطلب منها بعض التفصيلات الفنية ، وبالطبع يجاهد نفسه ، نفسه التي تشعر بالإنهيار أمامها ، ولازال يتفقد بعينيه عن ذلك الزوج المحظوظ فهو يشعر اليوم أنه سيرتكب جريمة عندما يلتقي به..... هل رأيت جنون كهذا من قبل ؟!!!
إقترب مراد من روح وقال بعملية: لو كنتِ تريدين إنتظار زوجك ،فيمكنك الإتصال به ليسرع فأنا لن انتظر أكثر من ربع ساعة.
قال الأخيرة بتأفف واضح لروح لكنها لم تفهمه.
فتابعت روح بتعجب: زوجي !!!
فأومأ مراد بتعجب وأجاب: أجل زوجك ! من المفترض أن يشاركك يوم هام كهذا مثل باقي أفراد أهلك !
فصاحت فجأة: آاااه !لا يوجد زوج ،
ثم غيرت لهجتها لتشتد حدتها أكثر بها بعض التحدي والهجوم: كنت متزوجة وقد ذهب... غار في مصيبة إلى الجحيم، خلعته ، لأنه كان حقير وحيوان بل حشرة متطفلة تتنقل بين أكوام القمامة ، هل من إعتراض ؟!!!
فتنحنح مراد وأجاب بهدوء: بالطبع لا ، ولم الإعتراض ؟ تلك أمور شخصية ، وعادية ،فأنا مثلاً قد تزوجت وطلقت مراراً.
فصاحت في وجهه مجدداً: بالطبع ، فأنا لم أتفاجأ أن تصف ذلك بالعادي ، فأنتم أيها الرجال كل شيء لديكم عادي ومباح ، وماذا ستخسرون ؟....
جاء حامد وأيمن يلهثان ليقاطعاها فهما يعلمان أختهما وكيف تصيح وتصعّد الأمور وها قد بدأت معركتها معه ضد الرجال.
تمتم حامد في نفسه: يا للسواد !!!
وتمتم أيمن أيضاً: استر يا رب !
وعندما وصلا إليهما.
تسآل أيمن: ماذا جرى يا روح ؟ هذا لايصح !
فضغط حامد على أسنانه وهمس إليها: هل نسيتي بما وصيتك ؟!
فأهدرت بتأفف: يووووووه !
شعر مراد كأنه قد ضغط على جرح لها ثم أراد فض كل ذلك فقال بعملية : إذا سمحتم ، كلٌ يلزم مكانه ، تفضلا من هنا الآن..
يشير نحو حامد وأيمن ثم إلتفت لروح وقال: مكانك مدام روح ، وكما قولت لك ستتحدثين بتلقائية وبدون سيداتي سادتي.
وتحرك مراد ليجلس مكانه في غرفة التحكم وأخيراً استطاعت أن تتنفس فوجوده يكفي لعدم وصول الأكسجين لرئتيها .
أما هو فيشعر بسعادة غامرة جعلته تقبل منها حتى طريقتها تلك وبدون أي تعليق على صوتها العالي أو حدتها وهجومها ، فكونها ليست علي ذمة رجل آخر أمر في حد ذاته يستحق الصبر الطويل بعده.
وقال بصوت عالي :سكووووووت 3 ,2 ,1 action.
إبتسمت روح بإشراق و روعة وقالت بثقة: لكل من تذوق أكلي وجربه...من مطبخ روح الفؤاد ستعلمون السر.... لكل سيدة أو حتى فتاة صغيرة تريد أن تطور نفسها ليس فقط ليقال عنك ماهرة ، بل أيضاً لتزداد ثقتك في نفسك بمهاراتك الزائدة والمتعددة... من مطبخ روح الفؤاد ستحققين كل ذلك وأكثر... لو كان لديكي وليمة وتريدين تقديمها على أكمل وجه.... من مطبخ روح الفؤاد كله سيكون على مايرام... تابعينا قريباً.
صاح مراد :cut .
ذهب نحوها حامد مندفعاً وقال بإعتراض: ما هذا ياروح ؟ أين الكلام الذي أخبرتك به لتحفظيه وتقوليه؟!!
تأففت روح وإستدارت بوجهها عنه وقالت: لا أدري لم أتذكر سوى هذا فقط.
صاح حامد بغضب: من البداية تضيعين وقتنا ونضطر لإعادته من جديد.
فتدخل مراد مدافعاً عنها وقال بهدوء: ما الذي سيعاد مرة أخرى ؟!! هذا ما أريده بالضبط ، أريدك على طبيعتك أريد روحك ، لا أريد مجرد كلام مرسل محفوظ ويردد ، المفترض أن توافقني الرأي ، لأن ذلك هو بالضبط مايلائم شخصيتها ، حقيقي رائع.
نظرت روح بينهما ثم إنصرفت بلا تعليق.
وبعد أيام ظهر الإعلان وبدأت في تصوير الحلقات وقد حقق البرنامج نجاحاً كبيراً في وقت قياسي كما توقع مراد.
كان مراد يترك روح بطبيعتها غير المتكلفة وذلك جعلها مختلفة لحد كبير ، كانت تتصرف بتلقائية كأنها بالفعل في مطبخ بيتها حتى إنه لتصدر منها أحياناً بعد التصرفات التلقائية التي تجعل مراد يضحك منها.
نجد مثلاً تنزل إحدي خصلات شعرها على وجهها فأحياناً تهز في رأسها لترفعها أو ترفع رأسها لأعلى وتنفخها فيضحك مراد من هيئتها ويجعل لقطة الكاميرا على ما تصنعه .
أو أحياناً تتذوق ما تصنعه بأن تلعق طرف إصبعها ثم تنتبه وتسرع وتغسل يدها ، أو فجأة تجمع الأواني المتسخة وتذهب بها ناحية الحوض لتقوم بغسلها فيطاب منها مراد في سماعتها أن تتركها .
كان مراد يتقبل تصرفاتها على الرحب والسعة ثم يعدلها في المونتاج ، فهو لا ينكر تسليته بتلك التصرفات ولا ينكر إنجذابه لها ، لا بل كان واضحاً مع نفسه أكثر فهو يحبها بشكل لم يتخيله حتى سوهي في رواياته التي يكتبها ومثل تلك الفعلات التلقائية تثير في نفسه الكثير من المشاعر والأحاسيس ، إنه ليتقبل حتى حدتها وردودها الجافة المتحفذة دائماً ، فقد عشق كل تفاصيلها ودائماً يعارض حامد إن إنتقدها أمامه وكأنه قد عين محامي عنها.
كان ذلك واضحاً لروح لأن حامد هو أقرب شخص إليها ، لكن يبدو لشخص آخر يود عبوره ليكون هو الأقرب ، والأغرب لها أنها كثيراً ما تعجز عن الرد عليه أو مواجهته بكل قوتها كما اعتادا وكأن هناك قوة خفية تتحكم في لسانها وحلقها... لكن أحياناً كانت تتغلب على تلك القوة.
كانت تشعر وكأن مراد هذا يفهمها بدقة ويقرأها جيداً ، فلا يمكن أن تتجاهله ولا تتجاهل الكثير من تلك التفاصيل في أقواله أو أفعاله.
فتعامله كان بجدية مملوءة بحب و أحياناً تمتزج قليلاً بخفة الظل فكان ينتقي كلماته ومزحاته معها ويعرف متى يمزح ليستطيع أن يلمح شبح تلك الإبتسامة الخفية التي تحاول جاهدة أن تخفيها ، لكن لم تنجح نهائياً في إخفاء رماديتيها الساحرتين التي أسرته فيهما ، حتى إنه كلما نظر في إتجاه رأي عينيها تنظر إليه وإن أمسك بقلمه ليكتب يجده يرسم عينيها فإن نظرت في أوراقه التي يكتب فيها رواياته تجد في كل صفحة رسمة لعينيها ، ولا ينقصه إلا أن يرسم عينيها على جدران البيت حتى يكتمل ذلك العشق المجنون.
مر عام كامل لم تتغير فيه طبيعة العلاقة بين روح ومراد وإن كان كلاً منهما يكن للآخر الكثير لكن الفارق أن روح لازالت لم تفسر معنى كل ما يحدث رغم أن مراد كان دائماً عكس كل توقعاتها ومفهومها عن الرجال لكنها لازالت لا تثق بمعشر الرجال ، أما مراد فكان لازال يخشي من ردة فعلها إن حاول أن يبوح لها بمكنون قلبه ولازال صابراً لكن لا يدري لمتى ؟!!!!!
......................................
NoonaAbdElWahed
(روح الفؤاد)
الحلقة الخامسة عشر
بقلم:نهال عبد الواحد
زاد نجاح البرنامج وشعبية روح كثيراً وبدأ البرنامج يبث بثا مباشرا ويسمح فيه بتلقي المداخلات الهاتفية في نهاية الحلقات من أجل الأسئلة والإهداءات.
وذات حلقة بينما كانت روح قد إنتهت من إعداد أطباق اليوم وعلى وشك بداية فقرة تلقّي المكالمات فقالت روح: أما الآن بعد الإنتهاء من الطبق لم يتبقى إلا تقطيع بعض الخضروات من أجل تزيين الوجه.
ثم وضعت يدها على أذنها وقالت :المخرج قد فتح الإتصالات ، فيمكننا تلقي المكالمات أثناء تقطيعي لتلك الخضروات.
ثم ضحكت وقالت:المخرج يريد إنهاء البرنامج فرائحة الأكل تملأ المكان.....
ثم قالت :ونستقبل أول إتصال .... مرحباً !
-مرحباً بك أنت جميلة الجميلات !
روح وقد بدأت الإبتسامة تختفي من وجهها :أي سؤال سيدي ؟!!!
-ترى هل عدسات الكاميرات تزيد جمالاً و رونقاً هكذا أم أنها حقيقة ؟!!
اختفت أي إبتسامة من وجه روح وقد بدا التوتر والإنزعاج يظهر عليها خاصة في حركة عينيها المضطربة تلك ثم قالت:إن كان لديك سؤال فتفضل به ...من أجل وقت البرنامج.
وكان مراد قد لمح ذلك التوتر والإضطراب في ملامحها من الوهلة الأولى للمتصل دون أن يدرك حقيقة الأمر ، لكن قد بدأ ذلك المتصل يثير غضبه بطريقة كلاماته المبتزلة غير اللائقة.
-هل القمر هبط من السماء وهل أمامي يا جميلة الجميلات ؟
وهنا تحول غضب مراد لصاعقة فجائية قطعت الإتصال عن هذا الوغد الحقير وقال ولازال ثائراً في سماعات أذن روح :قد قطعت الإتصال ، إخرجي في فاصل إعلاني فوراً.
فقالت بنفس مقطوع: معذرة ، لقد إنقطع الإتصال ،وسنذهب إلى فاصل إعلاني.
لم يفهم مراد سر تحول روح هكذا رغم ثورته وغضبه الجم من ذلك الوقح لكن قد دخل حامد إليه في غرفة التحكم فجأة وقال له: ما الخطب ؟!!
فصاح مراد بغضب: أسمعوه كيف كان ذلك الحقير يتعدى حدوده ؟!! وتلك المرة الأخيرة لإستقبال مداخلة تليفونية من أي رجل ، فهو برنامج للطبخ أي لا شأن لأي رجل بمداخلة فيه.
ثم إلتفت ناحية روح وهيئتها وأكمل قائلاً: نزلوا تترات النهاية ، كفى اليوم ، لقد انتهت الحلقة.
وما أن سمع حامد صوته وطريقته حتى تأفف وقال: إنه الوغد نادر.
فزم مراد حاجبيه بدهشة وتسآل: ومن يكون هذا؟!!
تابع حامد بغضب: هذا الوغد الوقح هو طليقها.
فسكت قليلاً ثم نظر لهيئة روح غير المبشرة عبر الكاميرات ثم تركهم واتجه لروح التي منذ أن سمعت ذلك الصوت وقد عرفته وعرفت من يكون صاحبه ، وسار شريط ذكراه الأسود يمر أمامها وبدأت تتحول وتزداد ملامحها سوءاً وكأنها تختنق فوقفت شاردة لا تأبه لأحد ولا لنداءات مراد وصيحاته لها ولا لتلك السكين التي كانت تقطع بها الخضروات منذ قليل وقد ضغطت بها على كفها بلا وعي فجرحت كفها جرحاً قطعيا عميقاً وصار ينزف ويسيل على ملابسها وبدأ يقطر على الأرض ولا زالت لا تعي حتى وقف مراد أمامها صاح فيها: يا روووووووح !!
فإنتبهت ونظرت نحوه فسقطت السكين من يدها على الأرض دون أن تشعر ونظرت نحو مراد بعينين زائغتين وبدأت ترتعش وعينيها تندفع منهما الدموع لا لم يكن مجرد بكاء بل هو إنهيار فجائي وصوت شهقات هيستيري فأمسك مراد بيدها المجروحة تلك ينظر فيها والدم يتدفق بها فنظرت هي الأخرى ثم صرخت بشدة فجأة وفقدت وعيها وقبل أن تسقط على الأرض قد لحقها مراد وحملها وأسرع إليه حامد وأسرع الإثنان بها إلى المستشفى .
كان الجرح غائرا ويحتاج لخياطة وقد بدأ الأطباء في ذلك بالفعل لكن المشكلة تكمن في ذلك الإنهيار الذي تمكن منها فجأة.
وقف مراد وحامد بالخارج ينتظران الطبيب ينتهي من خياطة الجرح ، وكان مراد في قمة قلقه وحزنه عليها ثم نظر نحو حامد وسؤالا ملحا يراوده فقاله بدون مقدمات: هل لتلك الدرجة كانت تحبه؟!!
أمال حامد فمه معترضاً قائلاً: كانت تحب من ؟تقصد طليقها هذا ؟!!
أومأ مراد برأسه أن نعم.
فأومأ حامد برأسه أن لا وتابع: لا أظن ذلك ، لم يكن الأمر لروح هو كسرة لقلبها بقدر ما كان جرح في كرامتها ، فروح تتسم بشخصيتها القوية ولا ترضى أبداً بأي نوع من الإهانة.
إتسعت عينا مراد بفجأة وأهدر: إهانة !! هل خانها بعد أن أهانها ؟!!
- الإهانة ليست ضرباً ولا شتما فذلك النوع من الإهانة لن تسكت عليه روح إطلاقاً ، لكنه قد أهانها بتحاهله لها وتعامله معها بجفاء وسخرية وعدم تقدير.
- وإن كان ليس بينهما حباً فلم تزوجا إذن ؟!!
- إذن هل أنت في كل زيجاتك قد تزوجت بعد قصة حب ؟ أم أن كل المتزوجين يتزوجون بعد قصة حب؟!! كل ما هنالك أن روح قد صارت مسئولة عنا من زمن منذ وفاة والدينا وقد عينت نفسها كأمنا المسئولة عن كل صغيرة وكبيرة في حياتنا وقد أثر ذلك عليها في دراستها في مجموع الثانوية العامة وفي إلتحقاها بكلية التجارة وكانت تنجح كل عام بالكاد ليس لأن تلك هي قدراتها بل لأنها حملت همنا أكثر من اللازم رغم أنها أختنا الصغرى ، وعندما ظهر نادر وقد كان متقمساً لدور القديس المجنح فوافقنا عليه ، أردنا أن نفرح بها وأن تكون لها حياتها الخاصة ولا تعلق نفسها بنا ، لكن الحقيقة أنه أحقر ما يكون فقد كان يريد التسلية وعندما فشل في ذلك اتضطر للزواج منها ، خاصة وأننا لم نضغط عليه أو نبالغ في طلبات وتكاليف الزواج فهو مثلنا شاب في مقتبل عمره ولا فائدة من عرقلة الزواج بسبب أمور مادية خاصةً وأن روح لا تهتم بمثل تلك الشكليات فتزوجت على أثاث بيته القديم ورضيت بحالته ، لكن ما أن مر بعض الوقت حتى اكتفي منها ومل ، وبدأ يخونها مع غيرها وغيرها... حتى ضبطته مع جارتها وحدثت مشاداة بينهما إنتهت بأن دفعها على درجات السلم وقد كانت حاملاً ففقدت جنينها.
كان مراد يستمع لحامد بتأثر ووجع كبير وكادت عيناه تبكي ألماً عليها ثم قال بصوت مختنق: إذن هذا سر موقفها العدائي إتجاه أي رجل.
فأومأ حامد برأسه أن نعم ،فقال مراد: كنت أتوقع ذلك.
وسكت الإثنان حتى إنتهى الطبيب ودخلت روح في غرفة وعلق لها المحاليل ،فشكر حامد مراد وانتظره ينصرف لكنه لم ينصرف وظل معه فاندهش قليلاً لكنه اعتبره موقف شهامة منه حتي لا يتركه بمفرده وقد كان حامد قد أخبر أيمن بما حدث وهو على وصول.
جلس الإثنان بجوار السرير المستلقية عليه روح وساد الصمت لكن بداخل مراد أحاديث كثيرة لم تسكت أبداً حتى إنه لم يلتفت بعينه عنها ولا حتى كان يطرف بعينه.
رن هاتف حامد فذهب ناحية النافذة ليتحدث حتى لا يزعج روح وحتي تكون تغطية الشبكة أفضل ،وفجأة إنتفضت روح بشدة وكانت تهزي وتصرخ بكلمات غير مفهومة رغم كونها لا زالت نائمة فإلتفت حامد وهو يتحدث فوجد مراد اقترب منها وأمسك بيدها السليمة دون أن يحركها فقد كان معلق بها المحلول وانحني ناحيتها وهمس لها: إهدئي ! أنت بخير ،نامي لا تخافي ،أنا مراد أنا جوارك ، إهدئي !
وبالفعل قد هدأت فهم بالعودة لمكانه لكنه قد شعر بها تمسك بيده فإبتسم إبتسامة عريضة وكانت عينه تدمع فجلس بجوارها على السرير في ذلك الجزء الصغير.
كان يتنفس بعمق وبداخله إحساس قوي أنها قد سمعته وشعرت بلهفته وخوفه عليها بل وشعرت بأشياء أخرى ،كان يتنفس بعمق فكانت تصله رائحة عطرها كأنه يريدها تملأ رئتيه ولا تخرج أبداً .
تحدث إليها بحديث من داخل قلبه لا كلام فيه ، يقول بدقات قلبه : في مسكة يديك تلك أشعر بحبك المشتعل في قلبي الذي لا أعلم متى بدأ ولا متى اشتعل؟!!
أنت أجمل من القمر وفي عينيك الرائعتين تلك أتجول في بحورهما تائه أضل الطريق وليتك دليلي حتى أصل لبر الأمان.
أنت من بحثت عنك كثيراً حتى وجدتك لكنني أصرخ فيكي من داخل قلبي ليتك تسمعيني.
أشعر وأنا معك كأنك لحظة لم أعيشها وليتك لا تنتهي أبداً.
كان حامد يتابعه وأدرك أخيراً سبب صبر مراد على روح وهي التي تحتد عليه كثيراً في حديثها القاسي وبهجومها الدائم فإبتسم بمرارة لأنه يعرف أخته التي صارت تهاجم أي رجل لمجرد كونه رجل.......................
NoonaAbdElWahed
(روح الفؤاد)
الحلقة السادسة عشر
بقلم:نهال عبد الواحد
وخرجت روح إلى البيت وبعد عدة أيام تحسنت صحتها لكنها عادت للعزلة من جديد ،لا تتحدث ولا تخرج ولا تتواصل مع أحد حتى أنها قد أغلقت هاتفها فقد عاد ذلك الوغد يتصل بها مجدداً وذلك قد أتلف أعصابها كثيراً ثم غيرت رقم هاتفها لكنها لم تعد قادرة على مواجهة الآخرين ربما تخشى أن يتعرض لها بشكل مباشر.
و ذات مساء رن جرس الباب فإتجهت ناحية الباب وفتحت وكانت ترتدي ( تي شيرت) وبنطال رياضي منزلي وتجمع شعرها لأعلى ، و وجها صافي بدون أي مساحيق تجميل ولا حتى كحل.
وكان مراد هو الطارق ويحمل باقة كبيرة من الزهور الرائعة وقد كان إعجابها بتلك الباقة بادٍ على وجهها.
- مساء الخير.
هكذا أهدر مراد بلطف فأجابته مبتسمة: مساء الخير.
- مرحباً سيدتي ! لقد طالت عزلتك تلك ، ألم يأن الأوان لتعودي وتنيري حياتنا من جديد ؟!
- معذرة ، لكني فعلاً لازلت متعبة ولا أحب أن يراني أحداً وأنا هكذا.
- هل إذا قلت لكِ أن وجهك بدون أي مساحيق تجميل أجمل من القمر في ليلة تمامه ، ترى هل سأعود لبيتي سليم أم سأعود للمشرحة ؟!!
فوضعت يدها على فمها لتكتم ضحكتها لكنها خرجت بمليء صوتها رنانة، فوجم مراد يحملق فيها وكأن أحدهم قد ضربه على رأسه فصار لا يعي ولا يسمع ولا يرى سوى ذلك الوجه وتلك الضحكة.
فجاء حامد من الداخل على صوت ضحكة أخته وقد رأى حال مراد ولازال يشفق عليه ثم قال بمزحة: هل تعلم لو كنت أمتلك جائزة نوبل لكنت قدمتها لك لأنك جعلتها تضحك ، كيف حالك ؟!
فأجاب مراد ببلاهة: هه !!
تسآل حامد بمزاح: أخبرني كيف فعلتها وجعلتها تضحك بمليء فمها هكذا ؟!!
فأومأ مراد قائلاً: أفعل أي شيء من أجل أن تضحك..
ثم قال بمزحة :حتى لو إضطررت لأن أتقلب هنا أمامكم أرضاً ...المهم أن تظل تضحك.
فقالت بهدوء: تفضل يا أستاذ.
تابع مراد وهو يتحرك داخلاً:حقيقةً من يحاول زيارتكم يتعب كثيراً حتى يدرك ماذا يمكن أن يشتري لكم ، فكلما أقف أمام محل اكتشفت أنكِ تستطيعين صنع ما يبيعه بل وأفضل.
- لا عليك سيدي ، لم ذلك الجهد والتعب ؟!! كانت تكفي باقة الورد تلك.
قالتها روح وهي تشير إلى باقة الورد من بين يديه فإنتبه فجأة وقال: آااه الورد ، تفضلي ، هل بإمكاني تقديمه إليكِ كأمراً تلقائياً ؟!!
فضحكت وقالت: ماذا أخبروك عني بالضبط ؟!!
مراد بخفوت في نفسه: آه وآه منك ومن ضحكتك تلك...
ثم قال جاهداً ليخفي حالته المتيمة تلك: لم يخبرني أحد ، بل أدركت من نفسي.
فمدت روح يدها وأخذت منه باقة الورد وقالت بإمتنان: أشكرك كثيراً ، هيا تفضلوا وسأذهب لإعداد العشاء.
صاح مراد بسعادة: أخيراً .....هذا ما كنت أنتظره.
فضحكوا ، وتركتهم روح واتجهت إلى المطبخ وجلس مراد وحامد يتحدثان في أمور العمل ثم جاء أيمن وانضم إليهما وظلوا يتحدثون في أمور شتي حتى هجمت عليهم رائحة الكبدة الإسكندراني والسدق فشلت تفكيرهم وذهبت بعقولهم.
وبعد قليل خرجت إليهم روح بأطباق كبيرة من السندوتشات ثم طبق للباذنجان المخلل المحشو بالفلفل الحار والثوم..... أرى لعابكم يسيل معي😋
وكالعادة اندمج الجميع في الأكل الذي لا يقاوم وكانا تشاهدهم بإبتسامة خفيفة فرفع مراد عينه نحوها وأخذ نفساً عميقاً ، كم تبدو جميلة في جميع أحوالها !! ثم مد يده نحوها بسندوتش وقال :هل ستجلسين هكذا تتابعينا دون مشاركة ، كأنك تعدين اللقيمات ، ترى هل التزمت بالعدد المطلوب ؟؟!!!
أومأت روح برأسها أن لا قائلة: أعتذر منك ، لكن لا أستطيع.
فوضع مراد السندوتش قبل أن يأكل منه وقال: إذن فلن آكل أنا أيضاً.... رغم أني أريده وروحي تذهب إليه.
قال تلك الجملة الأخيرة بطريقة مختلفة تفيض شوقاً ولهفة لاحظها حامد وانتظر أن يرى رد فعل أخته والتي لازالت تتحدث بجدية: تفضل حضرتك ولا تشغل نفسك بي.
لكنه مد يده بإصرار حتى أخذته منه وبدأت تأكل وهي تحاول أن تهرب من تلك العينين التي تلاحقها خلسة بين الحين والآخر ولا تفهم نفسها لماذا لا تضيق منه ؟ لماذا لا تثور أو تنفعل كعادتها؟!! ولماذا تشعر بسعادة داخلية من تصرفاته تلك ؟!!
وبعد العشاء جاءت روح بأكواب الشاي بالنعناع الأخضر ثم وضعته و جلست.
وبدأ مراد بجدية: وحان الآن موعد الكلام المهم، متى ستعودي سيدتي ؟!! لقد ظللنا طوال شهر كامل نذيع حلقات معادة ، وقبل أي رد أود أن تطمئني لقد منعت التواصل الهاتفي مع أي رجل.. فم شأن الرجال ببرامج الطبخ !! وإن أردتي إلغاء تلك الفقرة بالكامل فلا شيء وكما تريدين.
أومأت برأسها موافقة وهي تقول: حسناً سيدي ! سأعود مجدداً ، حدد موعد التصوير الجديد وسأستعد فوراه.
تدخل حامد قائلاً: ليتك جئت من زمن ، لقد تعبت كثيراً معها وأنا أحاول إقناعها وقد باءت كل محاولاتها بالفشل.
تابع مراد بمزحة: هل ستقارن نفسك بي ؟!!
فضحكوا ثم قال مراد بجدية: وهناك أمراً آخر..برنامج جديد ، برنامج مسابقات.
صاح حامد:آاااااااه !!
فأومأ مراد قائلاً: أجل !
نظرت روح بينهما بعدم فهم وتسآلت: ماذا يجري بالضبط؟!!
أردف مراد بشرح: هو عبارة عن برنامج للمسابقات ستقدم فيه سيدات وفتيات لتطبخ أكلات والأفضل هي الفائزة وسنكون الجائزة مادية متواضعة.
إتسعت إبتسامتها وقالت موافقة: فكرة عظيمة !!
فتابع مراد بسعادة: وأجمل ما فيها أنك أنت من ستقيمي.
أهدرت روح: لا والله !
فأومأ مراد قائلاً: مؤكد ! أم تظني أني سأحضر لجنة تحكيم أخرى ؟!! ماذا لو سمحتي لي بمشاركتك في لجنة التحكيم ؟!!
فإبتسمت مجيبة: هذا شرف كبير سيدي.
قال مراد بمزاح: هو برنامجك وأنتِ من ستحكمين .
أومأت روح بترحيب قائلة: أوافق جداً وعلى الرحب والسعة.
فتدخل أيمن:كدت أنسى.
ثم إتجه لحجرته ثم خرج منها بعد قليل وقال :لقد حجزنا موعد الفرح وقاعة الأفراح ، وهذا هو كارت الفرح.
فأمسكت به روح تشاهده وتتفحصه بسعادة كبيرة ثم وقفت فجأة وعانقت أخيها وهي تقول: مبارك عليك عزيزي ، ربي يسعدك ويتمم لك أمورك !
ثم خطفت روح القلم من جيب أيمن وكتبت على ظرف الكارت ( الأستاذ / مراد عزمي).
ثم مدت يدها بإبتسامة قائلة: تفضل لتكون أول المدعووين.
فأخذه بإبتسامة أيضاً وبارك لأيمن.
وبعد فترة ليست طويلة قد عادت لتقدم حلقات جديدة من برنامج الطبخ ، وبدأت تسجل ذلك البرنامج الخاص بالمسابقات وقد كان يقام على المسرح ويحضره عدد من الجمهور ويدخل مراد وروح على المسرح كلجنة تحكيم يجلسان ثم تجيء متسابقتان ويتم إختيار رقم عشوائي ومنه إختيار وصفتان أحدهما حادقة والأخري حلوة وعلى المتسابقات صنعها وتقديمها تبعا للوقت والشكل والمذاق وكان البرنامج يذاع مرة واحدة أسبوعياً وقد نجح هو الآخر مثل برنامج الطبخ.
لكن تميز هذا البرنامج بأنه سمح لمراد وروح فرصة التقارب نوعاً ما وبدأت تقل الحدية قليلاً لكنها لم تختفي ، لكن الشاهد أنهما أمام الكاميرات ثنائي رائع ومتناسق.
وجاء يوم فرح أيمن وكان حامد قد تكفل بذلك الحفل أما روح فقد تكفلت بفستان العروس وتزيينها فكانت العروس جميلة وهادئة ويزين رأسها الحجاب وفستانها منفوش من الخصر حتى أسفل ومنقوش بتطريزات هادئة فقد كانت حقاً عروس رائعة.
أما روح فقد ظهرت في فستان من البنفسج الداكن (الباذنجاني ) منفوش من الوسط وحتى الركبة وبأكمام وظهر مفرغ ورفعت شعرها لأعلى في فورمة تشبه( الدونات) فكانت تبدو جميلة ويصحب جمالها بعص الغموض ، وكانت ترتدي حذاء أسود ذات كعب عالٍ.
كان الفرح رائعاً والجميع سعداء فالعروسان يرقصان وروح وحامد يرقصان ، وقد وصل مراد وقد انتصف الفرح ورأى حامد وروح يرقصان بمهارة فظل ناظرا إليهما بإبتسامة ، ثم بارك للعروسين وسلم علي حامد وذهبا وجلسا معاً بينما روح قد إنشغلت بإستقبال المدعويين مع زينب والتأكد من كفاءة البوفيه وجميع أصناف الطعام المطلوبة.
كان مراد يتابعها بعينيه وكيف تبدو رائعة اليوم ! فهيئتها تختلف من برنامج الطبخ عنها في برنامج المسابقات والتي تختلف تماماً اليوم.
ولم يخفى على حامد حال مراد أبداً ولازال مشفق عليه فهو يشعر بمدى حبه وصدقه لكنه لازال يرى أنه حب قد حكم عليه بالإعدام فهو للأسف يعرف أخته جيداً.
وقبل نهاية الفرح إستأذن مراد لينصرف لكن كان ينتظر روح ليسلم عليها قبل الإنصراف وقد كانت في الحمام وخرجت تنزل من درج موجود لتعود إلى القاعة ، فإذا فجأة من يعترض طريقها...........................
NoonaAbdElWahed
الحلقة الرابعة عشر
بقلم : نهال عبد الواحد
خرج روح وحامد من مكتب مراد على موعد قريب للبديء في تحضيرات البرنامج ، وطوال الطريق كان حامد يؤنب روح ويعنفها علي تصرفاتها غير اللائقة و ردودها الحادة وبعد وصولهما للبيت ومعرفة أيمن بما حدث ظل هو الآخر يؤنبها ويحثها على تغيير طريقتها وأسلوب تعاملها مع الآخرين.
لكن يمكن وصف حال روح بتلك المقولة المصرية :
«اللي اتلسع (حرق) من الشوربة ينفخ في الزبادي ».
ربما لم تكن روح تسمع لأي منهما فهي في عالم آخر عند ذلك اللقاء على الدرج ،ماذا جرى لك ياروح ؟!! وكيف ستتعاملي معه في الأيام المقبلة ؟!
كم يبدو الأمر صعباً !!
وقررت معرفة الكثير عنه و تتبع أخباره عبر مواقع التواصل الإجتماعي.. ربما لم تقرأ شيئاً عنه بقدر ما شاهدت عدد كبير من صوره ، وتعجبت من فعلتها التي لم تفعلها من قبل ولا حتى في مراهقتها ، ولاإرادياً وجدت نفسها تحفظ بعض من تلك الصور على هاتفها.
أما مراد فمنذ أن غادروا ولأيام متتالية وهو يفكر كيف سيتعامل معها ؟! فمشهد عينيها الرماديتين وهي بين يديه لا يفارقه أبداً وكلما نظر إليها سيتذكر ذلك المشهد ، يجب أن يمسحه من ذاكرته فكيف ينظر لإمرأة متزوجة ؟! تري لم ذلك الإختبار الصعب ؟! لمَ أنجذب هكذا لها وتحركت كل مشاعري نحوها ؟! كيف تسربتي بداخلي ؟وبعد ذلك أجدك لرجل غيري !هو أمر صعب حقاً بل غاية في الصعوبة، ولماذا أتعجب من كونها متزوجة ؟! إن كانت أمثالها لا تتزوجن فمن تتزوج إذن ؟!!
أشعر بحقد وغل وكره كبير لذلك الزوج ، وأتمنى لو أرى هذا المحظوظ الذي أسرها وخطفها وصارت مليكته أما أنا فعلي أن أعض في الأرض ، لا بل ربما إن رأيته أشبعه ضرباً.
مهلاً يا مراد ! هل أصابك الجنون ؟!
لا بل أصابني عشق كبير !
مرت الأيام وجاء اليوم المتفق عليه موعد تصوير إعلان البرنامج وقد جاء مع روح أخويها وإيمان وزينب فتلك هي كل عائلتها الآن .
وكان المفترض أن يكون علي هيئة فقرة تقولها وتظهر بعد ذلك في مقاطع ( شوتات) مختلفة كل منها بهيئة بهيئة وملابس مختلفة.... كم تبدو رائعة الجمال !!
خاصة عندما سار معها مراد داخل الأستوديو ليخبرها أين تقف بالضبط ويطلب منها بعض التفصيلات الفنية ، وبالطبع يجاهد نفسه ، نفسه التي تشعر بالإنهيار أمامها ، ولازال يتفقد بعينيه عن ذلك الزوج المحظوظ فهو يشعر اليوم أنه سيرتكب جريمة عندما يلتقي به..... هل رأيت جنون كهذا من قبل ؟!!!
إقترب مراد من روح وقال بعملية: لو كنتِ تريدين إنتظار زوجك ،فيمكنك الإتصال به ليسرع فأنا لن انتظر أكثر من ربع ساعة.
قال الأخيرة بتأفف واضح لروح لكنها لم تفهمه.
فتابعت روح بتعجب: زوجي !!!
فأومأ مراد بتعجب وأجاب: أجل زوجك ! من المفترض أن يشاركك يوم هام كهذا مثل باقي أفراد أهلك !
فصاحت فجأة: آاااه !لا يوجد زوج ،
ثم غيرت لهجتها لتشتد حدتها أكثر بها بعض التحدي والهجوم: كنت متزوجة وقد ذهب... غار في مصيبة إلى الجحيم، خلعته ، لأنه كان حقير وحيوان بل حشرة متطفلة تتنقل بين أكوام القمامة ، هل من إعتراض ؟!!!
فتنحنح مراد وأجاب بهدوء: بالطبع لا ، ولم الإعتراض ؟ تلك أمور شخصية ، وعادية ،فأنا مثلاً قد تزوجت وطلقت مراراً.
فصاحت في وجهه مجدداً: بالطبع ، فأنا لم أتفاجأ أن تصف ذلك بالعادي ، فأنتم أيها الرجال كل شيء لديكم عادي ومباح ، وماذا ستخسرون ؟....
جاء حامد وأيمن يلهثان ليقاطعاها فهما يعلمان أختهما وكيف تصيح وتصعّد الأمور وها قد بدأت معركتها معه ضد الرجال.
تمتم حامد في نفسه: يا للسواد !!!
وتمتم أيمن أيضاً: استر يا رب !
وعندما وصلا إليهما.
تسآل أيمن: ماذا جرى يا روح ؟ هذا لايصح !
فضغط حامد على أسنانه وهمس إليها: هل نسيتي بما وصيتك ؟!
فأهدرت بتأفف: يووووووه !
شعر مراد كأنه قد ضغط على جرح لها ثم أراد فض كل ذلك فقال بعملية : إذا سمحتم ، كلٌ يلزم مكانه ، تفضلا من هنا الآن..
يشير نحو حامد وأيمن ثم إلتفت لروح وقال: مكانك مدام روح ، وكما قولت لك ستتحدثين بتلقائية وبدون سيداتي سادتي.
وتحرك مراد ليجلس مكانه في غرفة التحكم وأخيراً استطاعت أن تتنفس فوجوده يكفي لعدم وصول الأكسجين لرئتيها .
أما هو فيشعر بسعادة غامرة جعلته تقبل منها حتى طريقتها تلك وبدون أي تعليق على صوتها العالي أو حدتها وهجومها ، فكونها ليست علي ذمة رجل آخر أمر في حد ذاته يستحق الصبر الطويل بعده.
وقال بصوت عالي :سكووووووت 3 ,2 ,1 action.
إبتسمت روح بإشراق و روعة وقالت بثقة: لكل من تذوق أكلي وجربه...من مطبخ روح الفؤاد ستعلمون السر.... لكل سيدة أو حتى فتاة صغيرة تريد أن تطور نفسها ليس فقط ليقال عنك ماهرة ، بل أيضاً لتزداد ثقتك في نفسك بمهاراتك الزائدة والمتعددة... من مطبخ روح الفؤاد ستحققين كل ذلك وأكثر... لو كان لديكي وليمة وتريدين تقديمها على أكمل وجه.... من مطبخ روح الفؤاد كله سيكون على مايرام... تابعينا قريباً.
صاح مراد :cut .
ذهب نحوها حامد مندفعاً وقال بإعتراض: ما هذا ياروح ؟ أين الكلام الذي أخبرتك به لتحفظيه وتقوليه؟!!
تأففت روح وإستدارت بوجهها عنه وقالت: لا أدري لم أتذكر سوى هذا فقط.
صاح حامد بغضب: من البداية تضيعين وقتنا ونضطر لإعادته من جديد.
فتدخل مراد مدافعاً عنها وقال بهدوء: ما الذي سيعاد مرة أخرى ؟!! هذا ما أريده بالضبط ، أريدك على طبيعتك أريد روحك ، لا أريد مجرد كلام مرسل محفوظ ويردد ، المفترض أن توافقني الرأي ، لأن ذلك هو بالضبط مايلائم شخصيتها ، حقيقي رائع.
نظرت روح بينهما ثم إنصرفت بلا تعليق.
وبعد أيام ظهر الإعلان وبدأت في تصوير الحلقات وقد حقق البرنامج نجاحاً كبيراً في وقت قياسي كما توقع مراد.
كان مراد يترك روح بطبيعتها غير المتكلفة وذلك جعلها مختلفة لحد كبير ، كانت تتصرف بتلقائية كأنها بالفعل في مطبخ بيتها حتى إنه لتصدر منها أحياناً بعد التصرفات التلقائية التي تجعل مراد يضحك منها.
نجد مثلاً تنزل إحدي خصلات شعرها على وجهها فأحياناً تهز في رأسها لترفعها أو ترفع رأسها لأعلى وتنفخها فيضحك مراد من هيئتها ويجعل لقطة الكاميرا على ما تصنعه .
أو أحياناً تتذوق ما تصنعه بأن تلعق طرف إصبعها ثم تنتبه وتسرع وتغسل يدها ، أو فجأة تجمع الأواني المتسخة وتذهب بها ناحية الحوض لتقوم بغسلها فيطاب منها مراد في سماعتها أن تتركها .
كان مراد يتقبل تصرفاتها على الرحب والسعة ثم يعدلها في المونتاج ، فهو لا ينكر تسليته بتلك التصرفات ولا ينكر إنجذابه لها ، لا بل كان واضحاً مع نفسه أكثر فهو يحبها بشكل لم يتخيله حتى سوهي في رواياته التي يكتبها ومثل تلك الفعلات التلقائية تثير في نفسه الكثير من المشاعر والأحاسيس ، إنه ليتقبل حتى حدتها وردودها الجافة المتحفذة دائماً ، فقد عشق كل تفاصيلها ودائماً يعارض حامد إن إنتقدها أمامه وكأنه قد عين محامي عنها.
كان ذلك واضحاً لروح لأن حامد هو أقرب شخص إليها ، لكن يبدو لشخص آخر يود عبوره ليكون هو الأقرب ، والأغرب لها أنها كثيراً ما تعجز عن الرد عليه أو مواجهته بكل قوتها كما اعتادا وكأن هناك قوة خفية تتحكم في لسانها وحلقها... لكن أحياناً كانت تتغلب على تلك القوة.
كانت تشعر وكأن مراد هذا يفهمها بدقة ويقرأها جيداً ، فلا يمكن أن تتجاهله ولا تتجاهل الكثير من تلك التفاصيل في أقواله أو أفعاله.
فتعامله كان بجدية مملوءة بحب و أحياناً تمتزج قليلاً بخفة الظل فكان ينتقي كلماته ومزحاته معها ويعرف متى يمزح ليستطيع أن يلمح شبح تلك الإبتسامة الخفية التي تحاول جاهدة أن تخفيها ، لكن لم تنجح نهائياً في إخفاء رماديتيها الساحرتين التي أسرته فيهما ، حتى إنه كلما نظر في إتجاه رأي عينيها تنظر إليه وإن أمسك بقلمه ليكتب يجده يرسم عينيها فإن نظرت في أوراقه التي يكتب فيها رواياته تجد في كل صفحة رسمة لعينيها ، ولا ينقصه إلا أن يرسم عينيها على جدران البيت حتى يكتمل ذلك العشق المجنون.
مر عام كامل لم تتغير فيه طبيعة العلاقة بين روح ومراد وإن كان كلاً منهما يكن للآخر الكثير لكن الفارق أن روح لازالت لم تفسر معنى كل ما يحدث رغم أن مراد كان دائماً عكس كل توقعاتها ومفهومها عن الرجال لكنها لازالت لا تثق بمعشر الرجال ، أما مراد فكان لازال يخشي من ردة فعلها إن حاول أن يبوح لها بمكنون قلبه ولازال صابراً لكن لا يدري لمتى ؟!!!!!
......................................
NoonaAbdElWahed
(روح الفؤاد)
الحلقة الخامسة عشر
بقلم:نهال عبد الواحد
زاد نجاح البرنامج وشعبية روح كثيراً وبدأ البرنامج يبث بثا مباشرا ويسمح فيه بتلقي المداخلات الهاتفية في نهاية الحلقات من أجل الأسئلة والإهداءات.
وذات حلقة بينما كانت روح قد إنتهت من إعداد أطباق اليوم وعلى وشك بداية فقرة تلقّي المكالمات فقالت روح: أما الآن بعد الإنتهاء من الطبق لم يتبقى إلا تقطيع بعض الخضروات من أجل تزيين الوجه.
ثم وضعت يدها على أذنها وقالت :المخرج قد فتح الإتصالات ، فيمكننا تلقي المكالمات أثناء تقطيعي لتلك الخضروات.
ثم ضحكت وقالت:المخرج يريد إنهاء البرنامج فرائحة الأكل تملأ المكان.....
ثم قالت :ونستقبل أول إتصال .... مرحباً !
-مرحباً بك أنت جميلة الجميلات !
روح وقد بدأت الإبتسامة تختفي من وجهها :أي سؤال سيدي ؟!!!
-ترى هل عدسات الكاميرات تزيد جمالاً و رونقاً هكذا أم أنها حقيقة ؟!!
اختفت أي إبتسامة من وجه روح وقد بدا التوتر والإنزعاج يظهر عليها خاصة في حركة عينيها المضطربة تلك ثم قالت:إن كان لديك سؤال فتفضل به ...من أجل وقت البرنامج.
وكان مراد قد لمح ذلك التوتر والإضطراب في ملامحها من الوهلة الأولى للمتصل دون أن يدرك حقيقة الأمر ، لكن قد بدأ ذلك المتصل يثير غضبه بطريقة كلاماته المبتزلة غير اللائقة.
-هل القمر هبط من السماء وهل أمامي يا جميلة الجميلات ؟
وهنا تحول غضب مراد لصاعقة فجائية قطعت الإتصال عن هذا الوغد الحقير وقال ولازال ثائراً في سماعات أذن روح :قد قطعت الإتصال ، إخرجي في فاصل إعلاني فوراً.
فقالت بنفس مقطوع: معذرة ، لقد إنقطع الإتصال ،وسنذهب إلى فاصل إعلاني.
لم يفهم مراد سر تحول روح هكذا رغم ثورته وغضبه الجم من ذلك الوقح لكن قد دخل حامد إليه في غرفة التحكم فجأة وقال له: ما الخطب ؟!!
فصاح مراد بغضب: أسمعوه كيف كان ذلك الحقير يتعدى حدوده ؟!! وتلك المرة الأخيرة لإستقبال مداخلة تليفونية من أي رجل ، فهو برنامج للطبخ أي لا شأن لأي رجل بمداخلة فيه.
ثم إلتفت ناحية روح وهيئتها وأكمل قائلاً: نزلوا تترات النهاية ، كفى اليوم ، لقد انتهت الحلقة.
وما أن سمع حامد صوته وطريقته حتى تأفف وقال: إنه الوغد نادر.
فزم مراد حاجبيه بدهشة وتسآل: ومن يكون هذا؟!!
تابع حامد بغضب: هذا الوغد الوقح هو طليقها.
فسكت قليلاً ثم نظر لهيئة روح غير المبشرة عبر الكاميرات ثم تركهم واتجه لروح التي منذ أن سمعت ذلك الصوت وقد عرفته وعرفت من يكون صاحبه ، وسار شريط ذكراه الأسود يمر أمامها وبدأت تتحول وتزداد ملامحها سوءاً وكأنها تختنق فوقفت شاردة لا تأبه لأحد ولا لنداءات مراد وصيحاته لها ولا لتلك السكين التي كانت تقطع بها الخضروات منذ قليل وقد ضغطت بها على كفها بلا وعي فجرحت كفها جرحاً قطعيا عميقاً وصار ينزف ويسيل على ملابسها وبدأ يقطر على الأرض ولا زالت لا تعي حتى وقف مراد أمامها صاح فيها: يا روووووووح !!
فإنتبهت ونظرت نحوه فسقطت السكين من يدها على الأرض دون أن تشعر ونظرت نحو مراد بعينين زائغتين وبدأت ترتعش وعينيها تندفع منهما الدموع لا لم يكن مجرد بكاء بل هو إنهيار فجائي وصوت شهقات هيستيري فأمسك مراد بيدها المجروحة تلك ينظر فيها والدم يتدفق بها فنظرت هي الأخرى ثم صرخت بشدة فجأة وفقدت وعيها وقبل أن تسقط على الأرض قد لحقها مراد وحملها وأسرع إليه حامد وأسرع الإثنان بها إلى المستشفى .
كان الجرح غائرا ويحتاج لخياطة وقد بدأ الأطباء في ذلك بالفعل لكن المشكلة تكمن في ذلك الإنهيار الذي تمكن منها فجأة.
وقف مراد وحامد بالخارج ينتظران الطبيب ينتهي من خياطة الجرح ، وكان مراد في قمة قلقه وحزنه عليها ثم نظر نحو حامد وسؤالا ملحا يراوده فقاله بدون مقدمات: هل لتلك الدرجة كانت تحبه؟!!
أمال حامد فمه معترضاً قائلاً: كانت تحب من ؟تقصد طليقها هذا ؟!!
أومأ مراد برأسه أن نعم.
فأومأ حامد برأسه أن لا وتابع: لا أظن ذلك ، لم يكن الأمر لروح هو كسرة لقلبها بقدر ما كان جرح في كرامتها ، فروح تتسم بشخصيتها القوية ولا ترضى أبداً بأي نوع من الإهانة.
إتسعت عينا مراد بفجأة وأهدر: إهانة !! هل خانها بعد أن أهانها ؟!!
- الإهانة ليست ضرباً ولا شتما فذلك النوع من الإهانة لن تسكت عليه روح إطلاقاً ، لكنه قد أهانها بتحاهله لها وتعامله معها بجفاء وسخرية وعدم تقدير.
- وإن كان ليس بينهما حباً فلم تزوجا إذن ؟!!
- إذن هل أنت في كل زيجاتك قد تزوجت بعد قصة حب ؟ أم أن كل المتزوجين يتزوجون بعد قصة حب؟!! كل ما هنالك أن روح قد صارت مسئولة عنا من زمن منذ وفاة والدينا وقد عينت نفسها كأمنا المسئولة عن كل صغيرة وكبيرة في حياتنا وقد أثر ذلك عليها في دراستها في مجموع الثانوية العامة وفي إلتحقاها بكلية التجارة وكانت تنجح كل عام بالكاد ليس لأن تلك هي قدراتها بل لأنها حملت همنا أكثر من اللازم رغم أنها أختنا الصغرى ، وعندما ظهر نادر وقد كان متقمساً لدور القديس المجنح فوافقنا عليه ، أردنا أن نفرح بها وأن تكون لها حياتها الخاصة ولا تعلق نفسها بنا ، لكن الحقيقة أنه أحقر ما يكون فقد كان يريد التسلية وعندما فشل في ذلك اتضطر للزواج منها ، خاصة وأننا لم نضغط عليه أو نبالغ في طلبات وتكاليف الزواج فهو مثلنا شاب في مقتبل عمره ولا فائدة من عرقلة الزواج بسبب أمور مادية خاصةً وأن روح لا تهتم بمثل تلك الشكليات فتزوجت على أثاث بيته القديم ورضيت بحالته ، لكن ما أن مر بعض الوقت حتى اكتفي منها ومل ، وبدأ يخونها مع غيرها وغيرها... حتى ضبطته مع جارتها وحدثت مشاداة بينهما إنتهت بأن دفعها على درجات السلم وقد كانت حاملاً ففقدت جنينها.
كان مراد يستمع لحامد بتأثر ووجع كبير وكادت عيناه تبكي ألماً عليها ثم قال بصوت مختنق: إذن هذا سر موقفها العدائي إتجاه أي رجل.
فأومأ حامد برأسه أن نعم ،فقال مراد: كنت أتوقع ذلك.
وسكت الإثنان حتى إنتهى الطبيب ودخلت روح في غرفة وعلق لها المحاليل ،فشكر حامد مراد وانتظره ينصرف لكنه لم ينصرف وظل معه فاندهش قليلاً لكنه اعتبره موقف شهامة منه حتي لا يتركه بمفرده وقد كان حامد قد أخبر أيمن بما حدث وهو على وصول.
جلس الإثنان بجوار السرير المستلقية عليه روح وساد الصمت لكن بداخل مراد أحاديث كثيرة لم تسكت أبداً حتى إنه لم يلتفت بعينه عنها ولا حتى كان يطرف بعينه.
رن هاتف حامد فذهب ناحية النافذة ليتحدث حتى لا يزعج روح وحتي تكون تغطية الشبكة أفضل ،وفجأة إنتفضت روح بشدة وكانت تهزي وتصرخ بكلمات غير مفهومة رغم كونها لا زالت نائمة فإلتفت حامد وهو يتحدث فوجد مراد اقترب منها وأمسك بيدها السليمة دون أن يحركها فقد كان معلق بها المحلول وانحني ناحيتها وهمس لها: إهدئي ! أنت بخير ،نامي لا تخافي ،أنا مراد أنا جوارك ، إهدئي !
وبالفعل قد هدأت فهم بالعودة لمكانه لكنه قد شعر بها تمسك بيده فإبتسم إبتسامة عريضة وكانت عينه تدمع فجلس بجوارها على السرير في ذلك الجزء الصغير.
كان يتنفس بعمق وبداخله إحساس قوي أنها قد سمعته وشعرت بلهفته وخوفه عليها بل وشعرت بأشياء أخرى ،كان يتنفس بعمق فكانت تصله رائحة عطرها كأنه يريدها تملأ رئتيه ولا تخرج أبداً .
تحدث إليها بحديث من داخل قلبه لا كلام فيه ، يقول بدقات قلبه : في مسكة يديك تلك أشعر بحبك المشتعل في قلبي الذي لا أعلم متى بدأ ولا متى اشتعل؟!!
أنت أجمل من القمر وفي عينيك الرائعتين تلك أتجول في بحورهما تائه أضل الطريق وليتك دليلي حتى أصل لبر الأمان.
أنت من بحثت عنك كثيراً حتى وجدتك لكنني أصرخ فيكي من داخل قلبي ليتك تسمعيني.
أشعر وأنا معك كأنك لحظة لم أعيشها وليتك لا تنتهي أبداً.
كان حامد يتابعه وأدرك أخيراً سبب صبر مراد على روح وهي التي تحتد عليه كثيراً في حديثها القاسي وبهجومها الدائم فإبتسم بمرارة لأنه يعرف أخته التي صارت تهاجم أي رجل لمجرد كونه رجل.......................
NoonaAbdElWahed
(روح الفؤاد)
الحلقة السادسة عشر
بقلم:نهال عبد الواحد
وخرجت روح إلى البيت وبعد عدة أيام تحسنت صحتها لكنها عادت للعزلة من جديد ،لا تتحدث ولا تخرج ولا تتواصل مع أحد حتى أنها قد أغلقت هاتفها فقد عاد ذلك الوغد يتصل بها مجدداً وذلك قد أتلف أعصابها كثيراً ثم غيرت رقم هاتفها لكنها لم تعد قادرة على مواجهة الآخرين ربما تخشى أن يتعرض لها بشكل مباشر.
و ذات مساء رن جرس الباب فإتجهت ناحية الباب وفتحت وكانت ترتدي ( تي شيرت) وبنطال رياضي منزلي وتجمع شعرها لأعلى ، و وجها صافي بدون أي مساحيق تجميل ولا حتى كحل.
وكان مراد هو الطارق ويحمل باقة كبيرة من الزهور الرائعة وقد كان إعجابها بتلك الباقة بادٍ على وجهها.
- مساء الخير.
هكذا أهدر مراد بلطف فأجابته مبتسمة: مساء الخير.
- مرحباً سيدتي ! لقد طالت عزلتك تلك ، ألم يأن الأوان لتعودي وتنيري حياتنا من جديد ؟!
- معذرة ، لكني فعلاً لازلت متعبة ولا أحب أن يراني أحداً وأنا هكذا.
- هل إذا قلت لكِ أن وجهك بدون أي مساحيق تجميل أجمل من القمر في ليلة تمامه ، ترى هل سأعود لبيتي سليم أم سأعود للمشرحة ؟!!
فوضعت يدها على فمها لتكتم ضحكتها لكنها خرجت بمليء صوتها رنانة، فوجم مراد يحملق فيها وكأن أحدهم قد ضربه على رأسه فصار لا يعي ولا يسمع ولا يرى سوى ذلك الوجه وتلك الضحكة.
فجاء حامد من الداخل على صوت ضحكة أخته وقد رأى حال مراد ولازال يشفق عليه ثم قال بمزحة: هل تعلم لو كنت أمتلك جائزة نوبل لكنت قدمتها لك لأنك جعلتها تضحك ، كيف حالك ؟!
فأجاب مراد ببلاهة: هه !!
تسآل حامد بمزاح: أخبرني كيف فعلتها وجعلتها تضحك بمليء فمها هكذا ؟!!
فأومأ مراد قائلاً: أفعل أي شيء من أجل أن تضحك..
ثم قال بمزحة :حتى لو إضطررت لأن أتقلب هنا أمامكم أرضاً ...المهم أن تظل تضحك.
فقالت بهدوء: تفضل يا أستاذ.
تابع مراد وهو يتحرك داخلاً:حقيقةً من يحاول زيارتكم يتعب كثيراً حتى يدرك ماذا يمكن أن يشتري لكم ، فكلما أقف أمام محل اكتشفت أنكِ تستطيعين صنع ما يبيعه بل وأفضل.
- لا عليك سيدي ، لم ذلك الجهد والتعب ؟!! كانت تكفي باقة الورد تلك.
قالتها روح وهي تشير إلى باقة الورد من بين يديه فإنتبه فجأة وقال: آااه الورد ، تفضلي ، هل بإمكاني تقديمه إليكِ كأمراً تلقائياً ؟!!
فضحكت وقالت: ماذا أخبروك عني بالضبط ؟!!
مراد بخفوت في نفسه: آه وآه منك ومن ضحكتك تلك...
ثم قال جاهداً ليخفي حالته المتيمة تلك: لم يخبرني أحد ، بل أدركت من نفسي.
فمدت روح يدها وأخذت منه باقة الورد وقالت بإمتنان: أشكرك كثيراً ، هيا تفضلوا وسأذهب لإعداد العشاء.
صاح مراد بسعادة: أخيراً .....هذا ما كنت أنتظره.
فضحكوا ، وتركتهم روح واتجهت إلى المطبخ وجلس مراد وحامد يتحدثان في أمور العمل ثم جاء أيمن وانضم إليهما وظلوا يتحدثون في أمور شتي حتى هجمت عليهم رائحة الكبدة الإسكندراني والسدق فشلت تفكيرهم وذهبت بعقولهم.
وبعد قليل خرجت إليهم روح بأطباق كبيرة من السندوتشات ثم طبق للباذنجان المخلل المحشو بالفلفل الحار والثوم..... أرى لعابكم يسيل معي😋
وكالعادة اندمج الجميع في الأكل الذي لا يقاوم وكانا تشاهدهم بإبتسامة خفيفة فرفع مراد عينه نحوها وأخذ نفساً عميقاً ، كم تبدو جميلة في جميع أحوالها !! ثم مد يده نحوها بسندوتش وقال :هل ستجلسين هكذا تتابعينا دون مشاركة ، كأنك تعدين اللقيمات ، ترى هل التزمت بالعدد المطلوب ؟؟!!!
أومأت روح برأسها أن لا قائلة: أعتذر منك ، لكن لا أستطيع.
فوضع مراد السندوتش قبل أن يأكل منه وقال: إذن فلن آكل أنا أيضاً.... رغم أني أريده وروحي تذهب إليه.
قال تلك الجملة الأخيرة بطريقة مختلفة تفيض شوقاً ولهفة لاحظها حامد وانتظر أن يرى رد فعل أخته والتي لازالت تتحدث بجدية: تفضل حضرتك ولا تشغل نفسك بي.
لكنه مد يده بإصرار حتى أخذته منه وبدأت تأكل وهي تحاول أن تهرب من تلك العينين التي تلاحقها خلسة بين الحين والآخر ولا تفهم نفسها لماذا لا تضيق منه ؟ لماذا لا تثور أو تنفعل كعادتها؟!! ولماذا تشعر بسعادة داخلية من تصرفاته تلك ؟!!
وبعد العشاء جاءت روح بأكواب الشاي بالنعناع الأخضر ثم وضعته و جلست.
وبدأ مراد بجدية: وحان الآن موعد الكلام المهم، متى ستعودي سيدتي ؟!! لقد ظللنا طوال شهر كامل نذيع حلقات معادة ، وقبل أي رد أود أن تطمئني لقد منعت التواصل الهاتفي مع أي رجل.. فم شأن الرجال ببرامج الطبخ !! وإن أردتي إلغاء تلك الفقرة بالكامل فلا شيء وكما تريدين.
أومأت برأسها موافقة وهي تقول: حسناً سيدي ! سأعود مجدداً ، حدد موعد التصوير الجديد وسأستعد فوراه.
تدخل حامد قائلاً: ليتك جئت من زمن ، لقد تعبت كثيراً معها وأنا أحاول إقناعها وقد باءت كل محاولاتها بالفشل.
تابع مراد بمزحة: هل ستقارن نفسك بي ؟!!
فضحكوا ثم قال مراد بجدية: وهناك أمراً آخر..برنامج جديد ، برنامج مسابقات.
صاح حامد:آاااااااه !!
فأومأ مراد قائلاً: أجل !
نظرت روح بينهما بعدم فهم وتسآلت: ماذا يجري بالضبط؟!!
أردف مراد بشرح: هو عبارة عن برنامج للمسابقات ستقدم فيه سيدات وفتيات لتطبخ أكلات والأفضل هي الفائزة وسنكون الجائزة مادية متواضعة.
إتسعت إبتسامتها وقالت موافقة: فكرة عظيمة !!
فتابع مراد بسعادة: وأجمل ما فيها أنك أنت من ستقيمي.
أهدرت روح: لا والله !
فأومأ مراد قائلاً: مؤكد ! أم تظني أني سأحضر لجنة تحكيم أخرى ؟!! ماذا لو سمحتي لي بمشاركتك في لجنة التحكيم ؟!!
فإبتسمت مجيبة: هذا شرف كبير سيدي.
قال مراد بمزاح: هو برنامجك وأنتِ من ستحكمين .
أومأت روح بترحيب قائلة: أوافق جداً وعلى الرحب والسعة.
فتدخل أيمن:كدت أنسى.
ثم إتجه لحجرته ثم خرج منها بعد قليل وقال :لقد حجزنا موعد الفرح وقاعة الأفراح ، وهذا هو كارت الفرح.
فأمسكت به روح تشاهده وتتفحصه بسعادة كبيرة ثم وقفت فجأة وعانقت أخيها وهي تقول: مبارك عليك عزيزي ، ربي يسعدك ويتمم لك أمورك !
ثم خطفت روح القلم من جيب أيمن وكتبت على ظرف الكارت ( الأستاذ / مراد عزمي).
ثم مدت يدها بإبتسامة قائلة: تفضل لتكون أول المدعووين.
فأخذه بإبتسامة أيضاً وبارك لأيمن.
وبعد فترة ليست طويلة قد عادت لتقدم حلقات جديدة من برنامج الطبخ ، وبدأت تسجل ذلك البرنامج الخاص بالمسابقات وقد كان يقام على المسرح ويحضره عدد من الجمهور ويدخل مراد وروح على المسرح كلجنة تحكيم يجلسان ثم تجيء متسابقتان ويتم إختيار رقم عشوائي ومنه إختيار وصفتان أحدهما حادقة والأخري حلوة وعلى المتسابقات صنعها وتقديمها تبعا للوقت والشكل والمذاق وكان البرنامج يذاع مرة واحدة أسبوعياً وقد نجح هو الآخر مثل برنامج الطبخ.
لكن تميز هذا البرنامج بأنه سمح لمراد وروح فرصة التقارب نوعاً ما وبدأت تقل الحدية قليلاً لكنها لم تختفي ، لكن الشاهد أنهما أمام الكاميرات ثنائي رائع ومتناسق.
وجاء يوم فرح أيمن وكان حامد قد تكفل بذلك الحفل أما روح فقد تكفلت بفستان العروس وتزيينها فكانت العروس جميلة وهادئة ويزين رأسها الحجاب وفستانها منفوش من الخصر حتى أسفل ومنقوش بتطريزات هادئة فقد كانت حقاً عروس رائعة.
أما روح فقد ظهرت في فستان من البنفسج الداكن (الباذنجاني ) منفوش من الوسط وحتى الركبة وبأكمام وظهر مفرغ ورفعت شعرها لأعلى في فورمة تشبه( الدونات) فكانت تبدو جميلة ويصحب جمالها بعص الغموض ، وكانت ترتدي حذاء أسود ذات كعب عالٍ.
كان الفرح رائعاً والجميع سعداء فالعروسان يرقصان وروح وحامد يرقصان ، وقد وصل مراد وقد انتصف الفرح ورأى حامد وروح يرقصان بمهارة فظل ناظرا إليهما بإبتسامة ، ثم بارك للعروسين وسلم علي حامد وذهبا وجلسا معاً بينما روح قد إنشغلت بإستقبال المدعويين مع زينب والتأكد من كفاءة البوفيه وجميع أصناف الطعام المطلوبة.
كان مراد يتابعها بعينيه وكيف تبدو رائعة اليوم ! فهيئتها تختلف من برنامج الطبخ عنها في برنامج المسابقات والتي تختلف تماماً اليوم.
ولم يخفى على حامد حال مراد أبداً ولازال مشفق عليه فهو يشعر بمدى حبه وصدقه لكنه لازال يرى أنه حب قد حكم عليه بالإعدام فهو للأسف يعرف أخته جيداً.
وقبل نهاية الفرح إستأذن مراد لينصرف لكن كان ينتظر روح ليسلم عليها قبل الإنصراف وقد كانت في الحمام وخرجت تنزل من درج موجود لتعود إلى القاعة ، فإذا فجأة من يعترض طريقها...........................
NoonaAbdElWahed
تعليقات
إرسال تعليق