رواية- العوض الجميل - الحلقات 7:9- بقلم نهال عبد الواحد - مجلة سحر الروايات



( العوض الجميل)
الحلقة السابعة

بقلم:نهال عبد الواحد
مرت أسابيع و أسابيع دون أي لقاء فلم تعد تراه شفق لكنها تلتمس له عذره فهو الآن في رحلة لتغيير مسار حياته وبداية سلك طريق جديد.

طريق التوبة وهو طريق صعب يحتاج لقوة وتركيز كبير ليستطيع السير فيه بسرعة مناسبة وكلما تذكرته دعت له أن يثبته الله و يزيده هداية لكنها تعجبت من نفسها ، ألم ننتهي من ذلك الأمر مسبقاً ؟
لم تركتي صراع يقوم بين القلب و العقل ؟

-ماذا دهاكي ياشفق ؟؟!!لقد عشتي أعواما وأعوام تغلقين ذلك القلب وتسيرين بمبدأ ممنوع الإقتراب أو التصوير.

=إهدأ يا عقل قليلاً لقد آن الأوان أن آخذ فرصتي وأعيش وأنبض.

-هل فكرت في عواقب ذلك يا قلب ؟إنك تسير في طريق مسدود.

=لا يهم حتي ولو لم أجني سوي ذكريات قليلة فهذا يكفي أقله أكون قد تذوقت طعم سعادة المحب.

-ستكون الصدمة و اللطمة قوية يا قلب وأقسي ما فيها أنها ستأتي من المحب.

=اللي خلقك قالك عيشها ياابن آدم حب يومك وناسك وافرح عمر بطوله،
اللي خلقك حنين عايز راحتك فيها وانت مش مخلوق عشان تتعذب فيها.
كفاك حسابات واتركها ياعقل يدبرها صاحب الأمر.

ولقد كان وليد حقاً يخطو خطوات طريق التوبة ويتمسك به بجانب عمله الجديد.

اعتادت شفق طوال تلك الفترة أن تجلس بجوار حوض الزهور حيث آخر لقاء وتجلس حتي وقت الغروب لتودع آخر شعاع للشمس في يومها كما تستقبله كل يوم.

كانت تستنشق عبير تلك الزهور وأحياناً تتلمسها برقة.

وذات يوم بينما هي تجلس تتذكر وليد في كل لقاءاته وكيف كان مستفذا ومتكبرا للغاية لكن مع ذلك هو الوحيد الذي تحرك إليه قلبها واختاره يدق له.

شعرت شفق بمن يجلس بجوارها أرضا فوق النجيل الأخضر وبين الزهور في ذلك الوقت البديع وبمجرد جلوسه انتفضت وكاد يخرج قلبها من مكانه وهي تلتفت مسرعة ...نعم إنه وليد وبعد غياب ولأول مرة ترفع عينها في وجهه وتتفحص ملامحه.

فقالت بلهفة:ولييييييد !!!

فرد بنفس اللهفة:أول مرة أعرف إن اسمي حلو كده.

فابتسمت واخفضت نظرها.

وليد:طب ينفع أقول وحشتيني ؟!!
فهزت برأسها أن نعم بنفس الإبتسامة.
ثم قالت:شكلك اتغير ، للأحسن.

وليد:اللي تدخل حياته ملاك زيك لازم يتغير للأحسن.

شفق:مش للدرجة دي هو أنا عملت إيه يعني ؟

وليد:كنت ماشي في عتمة وبتخبط يمين وشمال وانت نورتيلي الطريق ، إدتيني روشتة تحللي مشاكل كتير ونفسي ألاقي روشتة مناسبة ليكي.

شفق:لي أنا!!!

وليد:اممممممممم ! روشتة لوحدتك ، حاسس دايما بحزن مدفون جواكي.

شفق:الوحدة ، الوحدة صحيح بتقتل أوي ، بس المشكلة إن ما ينفعش تدي مساحة لحد إنه يقرب ، دايما اللي بيقرب لدرجة معينة بيبقي ليه حق يعرف أكتر و أكتر ، بس اللي هيعرف أكتر مش هيفهم صح ، فاختار أعيش بوشين وش شيك كلاس ارستقراطي و وش تاني بسيط حقيقي ، أنا واحدة بسيطة من منطقة شعبية م اللي بيسموها لو استاندر ، والدي كان عامل ف مصنع و عنده ورشة نجارة بيشتغل الصبح وبعد الضهر عشانا ، رباني وكبرني وعلمني لحد مااتخرجت وهو اللي جابلي شغلتي ف المدرسة دي عن طريق واسطة كان يعرفها وقاللي أنا حطيتك ع الطريق وكملي انت الباقي بشغلك ومجهودك ، ومن يومها وأنا بشتغل أكتر وأكتر و محافظة علي شكلي بس كان تمنه وحدة كبيرة أوي.

كانت تتحدث بعينين ملتمعتين تهدد بنزول دمع في أي لحظة.

وليد:مالكيش إخوات أو قرايب ؟

فانتبهت فجأة كأنما كانت مغيبة وهي تحكي وبدت مترددة وخائفة بشكل واضح.

فقال لها:خلاص خلاص ما تكمليش ، بس لما تحسي إنك قادرة تكملي وتحكي أنا تحت أمرك.

نظر في ساعته و هم بالوقوف.
فقالت:ماتخليك شوية.

فبدت عليه سعادة شديدة ولقاء طويل وصامت للعيون فقط، وبعد مضي بعض الوقت في ذلك الصمت.

ثم قال:يادوب صلاة المغرب ، وبعدين ورايا حاجات تانية ، وبعدين يادوب زمان شفق صحيت م النوم.

فنظرت له بتعجب ثم قالت :وانت عرفت منين ؟!!

سكت قليلاً ثم قال بتردد:هه ! أكيد طبعاً نايمة ،أمال هتسيبك تقعدي لوحدك إزاي.

فهزت رأسها بأن نعم بتفهم رغم شعورها بأن لتلك الإجابة تكملة لكنها لم تسأل.

وقفت شفق لتغادر هي أيضاً فنادي عليها وقطف وردة جميلة وقدمها إليها ، فأخذتها بإبتسامة واسعة وسعادة شديدة ظاهرة تفاجأ بها فلم يتوقع وليد سعادتها بوردة لتلك الدرجة.

احتفظت شفق بتلك الوردة بين إحدي صفحات مذكراتها وكانت تفتح تلك الصفحة كل يوم وتنظر إليها بنفس السعادة فهي تري فيها وجه وليد الذي أخيراً قد حفظت ملامحه رغم عدم لقاءهما من زمن.

وذات يوم كانت ليلاً في بيت أبويها قلقة وخائفة كعادتها تحاول تذكر ملامحه أو أي موقف جمعهما ربما تستطيع النوم بهدوء وتفقد ذلك الخوف الذي يتخللها دائماً وبالفعل بدأت تغفو.

لكن فجأة صوت ضجيج أفزعها فهبت جالسة مزعورة تنهج بشدة وتشعر أن قلبها سيقف من الرعب ، فاقتربت من باب الحجرة بجسد مرتعش وتفتحه بهدوء بإحدي يديها المرتعشتين بالأخرى تكتم بها صوت أنفاسها المرعوبة.

فجحظت عيناها من هول ما رأت ، إنه أخيها ومعه فردان والثلاثة غائبي الوعي ويتمايلون من الثمالة ومعهم فتاة عاهرة وأصوات ضحكاتهم المقززة تملأ المكان وكادت أن تجن..

أيعقل ما يحدث؟؟!!!!
ألتلك الدرجة وصل فسادك يا ابن أمي ؟؟!!!
أتأتي بصحبة السوء إلي بيت أبيك ؟!!!
أترضي بإرتكاب الفواحش فيه ؟؟!!!
ياااااااااااالله ماذا أفعل ؟
  هل أخرج لأطردهم شر طردة ؟؟
  لا لا ، إن الخروج الآن غير مأمون العواقب علي الإطلاق... إلزمي حجرتك و هدوءك وربي خير حافظاً.

وجلست تذكر الله في خوف شديد ولكن فجأة....
من يقتحم غرفتها ويفزعها ، فيوقد الإضاءة ويراها فينادي لصاحبه ويدخلان متحفذان...
فالذئاب قد وجدت فريستها.

كانت تصرخ و تصيح وتنادي علي أخيها بأقصي ما لديها من قوة وصوت... لكن أين أخيها ؟؟

فجذبت عبائتها ارتدتها بسرعة فوق جلبابها البالي و وضعت حجابها علي رأسها بشكل عشوائي متبعثر وهي تقفز من هنا إلي هنا و تقذفهم بكل ما تطوله يدها.

حتي أمسكت بباب خزانة الملابس المخلوع ورمته علي أحدهما وضربت الآخر علي رأسه بشماعة خشبية فشجت رأسه.

وجريت بأقصي ما لديها خرجت من بيت أبيها في مثل تلك الساعة المتأخرة وأبواب الجيران تتفتح وترميها في عرضها بأقذر الكلمات وأخدشها حياء وهي تكمل ركضا دون توقف.

تجري في الطرقات حيث المتسكعين و المستسكعات لكنها لم تتوقف وظلت هكذا ، علي قدميها فلم تأخذ معها أي نقود ولتسرع لتصل قبل الصباح قبل أن يدركها أهل المنطقة أو أحد السكان.

ظلت هكذا طوال الليل في خوف و رعب حتي شق الأجواء صوت أذان الفجر الذي يهديء نفسها كل يوم تسمعه يعني لديها إنتهاء ظلمة مرعبة وبداية صباح مشرق بالأمل.

دخلت أول مسجد قابلها و توضأت وصلت ودعت ربها كثيراثم جلست ترتاح قليلاً لكنها لا تشعر بجسدها ذلك فقد فاق إحساسها بالوجع حتي تبلد فلم تعد تشعر بوجوده أصلا فخرجت لتكمل طريقها.

وأخيراً وصلت لشقتها مع الساعات الأولي من الصباح الباكر ولحسن حظها أن اليوم عطلة ولم يتواجد أحد باكراً وكانت تعلق  مفاتيح البيت والمصعد والشقة في خيط حول رقبتها  ففكته وفتحت.

دخلت وأغلقت الباب خلفها وأخيراً عاد إليها الشعور فلم تحملها قدماها فسقطت أرضاً وهي تبكي بشدة وتحاول الوقوف والحركة حتي ولو حبوا حتي دخلت الحمام وفتحت الماء علي رأسها فترة من الوقت ولازالت دموعها تجري دون توقف.

خرجت ودثرت نفسها في فراشها بأغطية كثيرة لكن لازالت ترتعش بشدة وتبكي بحرقة شديدة وتنتحب أكثر وأكثر حتي بح صوتها من شدة البكاء لكن لم تتوقف عن تلك الحالة الهيستيرية حتي تكاد تفقد وعيها فتري ما حدث في منامها فتنتفض فزعا ، ثم تفقد وعيها مجدداً فتري أحدهما وقد لحق بها وقيدها عنوة و.....
فتنتفض مجدداً وتصرخ لكن لم يعد صوتها يخرج لقد اختفي.....

ونكمل الحلقة الجاية ،
NoonaAbdElWahed

( العوض الجميل)
الحلقة الثامنة

بقلم:نهال عبد الواحد
كان وليد قد عهد صلاة الفجر في المسجد يومياً وقد رأي تلك الليلة شفق في منامه تجري و تصرخ فاستيقظ لصلاة الفجر مفزوعا مقبوض الصدر فنفض ذلك المنام من رأسه إلا أنه لم يتخلص من قبضة الصدر تلك طوال يومه.

انتظرت هالة وشفق الصغيرة شفق كثيراً فاليوم عطلة ولم تأتي علي غير عادتها ومهما اتصلت بها هالة لا تجد رد فالهاتف مغلق فانتابها قلق عظيم حتي حل المساء ولا خبر عنها وكانت الطفلة طوال اليوم تزمجر من حين لآخر ثم بدأت في البكاء.

هالة:في إيه تاني بس يا فوفا؟

شفق:ميس شفق ماجاتش إنهاردة وفضلتي تقولي جاية كمان شوية وما جاتش، أنا عايزة أروح أطمن عليها ، أنا عارفة البيت.

هالة:هنروح إزاي بس؟

شفق:هنروح زي ما بروح كل يوم عندها.

هالة:السواق إنهاردة أجازة، هعملك إيه ؟!!

شفق:ماليش دعوة.

وبدأت في البكاء مجدداً ، فإذا بصوت يحدثها :إيه يا حبيبة بابي ، مين مزعلك ؟

هالة:مفيش حاجة يا وليد.

شفق:لا في ، ميس شفق ماجاتش إنهاردة وكل مانتصل بيها تليفونها مقفول وأنا عايزة أروحلها وننا مش راضية.

وليد:صح الكلام ده يا ماما ؟

هالة:آه يا بني ، وقلبي واكلني عليها هموت م القلق ومش عارفة اعمل إيه ؟؟!! دي وحدانية.

شفق:عايزة أروحلها يا بابي ، بلييييز.

وليد:انتو عارفين بيتها فين ؟

شفق:آه يا بابي ننا عارفة السكة.

هالة:أيوة معايا العنوان ،ببعت السواق يجيب شفق كل يوم من عندها.

وليد:طب اتفضلوا إلبسوا و يلا بينا.

وبالفعل أبدلت كلا من هالة وشفق ملابسهما و ركب جميعاً في سيارة وليد وظلت هالة تصف الطريق لوليد حتي وصلوا للبيت فنزل وليد أولا يحدث حارس العقار.

وليد :سلام عليكم.

عم عبده :وعليكم السلام ياباشا ، أي خدمة ؟

وليد:في واحدة ساكنة هنا إسمها ميس شفق هي مدرسة.

عم عبده :أيوة.

وليد:هي موجودة ؟؟

عم عبده :مش عارف ، بس أنا ما لمحتهاش إنهاردة علي غير العادة إنها ما تنزلش ، يمكن ريحت ف البيت عشان أجازة ، هو مين حضرتك ؟

وليد:واحد قريبها.

فنظر إليه الرجل نظرة لم تعجب وليد فذهب لأمه في السيارة لتنزل هي وشفق وما أن رآها عم عبده حتي عرف شفق فهي تأتي مع ميس شفق يومياً وصعدوا جميعاً واصطحبهم حارس العقار حتي شقة شفق وبدؤا يطرقون الباب.

كانت شفق لا تزال في نفس حالتها المنهارة وما أن سمعت صوت طرق الباب حتي انتفضت من مكانها وارتعشت أكثر وأكثر وقامت وارتدت إسدالها وسارت مترنحة من كثرة إنهيارها وارتعاشها و وهنها أيضاً فلم يدخل أي شيء جوفها حتي اقتربت من الباب وقالت بصوت مرتعش خوفا :مين ؟؟؟

هالة :افتحي حبيبتي أنا ماما لولي.

فأخذت نفساً عميقاً و فتحت المفتاح وأمسكت به في يدها ثم فتحت الباب ، لكن بمجرد أن فتحته حتي سقطت مغشياً عليها فأسرع وليد بحملها و ذهبوا بها للمشفي سريعاً وبعد فحص الطبيب.

هالة:خير يا دكتور ؟!!

الطبيب:إنهيار عصبي شديد.

وليد:وده من إيه يا دكتور ؟

الطبيب:أنا اللي المفروض أسأل السؤال ده ، واضح إنها اتعرضت لصدمة شديدة جداً.

وليد:احنا لاقيناها كده.

الطبيب:انتو مش أهلها.

هالة:لا يا بني هي وحدانية ومدرسة حفيدتي وكنا بنوصل البنت عندها لاقيناها كده.

الطبيب:عموماً الإجابة هتفضل معاها لحد ما تفوق ، أو بمعني أدق لحد ما تقدر تتكلم مع حد ، أنا إديتها منوم هي محتاجة تنام.

وتركهم ودخلوا إليها الغرفة وكانت هالة تبكي وشفق قد تعبت ونامت و وليد ينظر إليها بحزن وحيرة شديدة ماذا حدث لتنهار هكذا ؟؟

لم يكن وليد ينزل عينه من عليها حتي وهو جالس بعيداً عن السرير فانتبهت أمه لذلك خاصة عندما غفلت عينا هالة قليلاً وفتحتها فوجدت وليد يجلس بالقرب من شفق ويقبل يدها فابتسمت وأعجبها ذلك.

نادته أمه فجلسا في جانباً بعيداً عن شفق.

هالة:مسكينة أوي البنت دي ، يارب اشفيها واعفي عنها وقومها بالسلامة.

وليد:يا رب.

هالة:شفق ما ينفعش تفضل لوحدها تاني يا وليد، أنا هقولها بعد ما تخف تيجي تعيش معانا.

وليد:تفتكري هتوافق ؟؟؟!!!

هالة:أيوة هتوافق.
فنظر إليها وليد بتساؤل.

هالة:هتوافق لما تتجوزها يا وليد.

فانتفض من مكانه وقال:أ....إيه ؟؟!!! !!

هالة:إيه مالها؟البنت زي الفل وأخلاقها و طبعها بسم الله ماشاء الله ، وأنا وشفق بنحبها ربنا يعلم أد إيه وهي كمان ،وبعدين خلاص عينيك فضحتك وكله بان وما ينفعش تنكر إنك ما تقدرش تستغني عنها ، إزاي غابت عني دي ؟!!!! دلوقتي بس عرفت سبب تغييرك.

فرد بغضب :هي مين دي اللي مااقدرش استغني عنها ،لا و ألف لا ، لا يمكن أسلم نفسي لأي واحدة تاني من بنات حواء ، فاهماني ، كلهم عينة واحدة.
وانصرف مسرعاً.

وللأسف انصرف تماماً لقد عاد من جديد لحياة الفساد واللهو والمجون ، لكن تلك المرة أشد وأكثر إيلاما لنفسه.

فالبعد بعد العودة والهداية تكون معه وخذة ضمير أحياناً يحاول الشيطان إخمادها حتي لا تنجح في إيقاظ باقي الجسد.

لقد رأي وليد في هدايته أنه لأجلها ، ربما كان ذلك في البداية لكن من عجائب وجمال الطريق إلي الله أن من يتذوق طعم القرب ومحبة الله يزداد حباً .

لكن يلزم الإختبار وبما أنه قد أدرك ذلك فظن أن ترك الهداية تركا لها ، لكن هيهات !!!

فرغم كل الفساد الذي يغمس نفسه فيه يظل يؤنب نفسه مما يفعل فيعند و يرغم نفسه أن تفعل كأنه ينتقم منها أن أحبت.
   (ثبتنا يارب جميعاً علي طريق الهدي)

أما هالة فقد كانت هي والطفلة مع شفق يومياً وكانت في البداية صامتة وشاردة تماماً لا تتحدث مع إحداهما ولا تلعب حتي مع شفق.

كانت تعود بذاكرتها لذلك اليوم وتتذكر تفاصيله فتتألم وأحياناً تتخيل أن أحدهم قد تمكن منها فترتعد فرائسها وتبكي مجدداً.

ومرت أيام وبدأت شفق تهدأ نسبياً وخرجت من المشفي وعادت لشقتها وكانت هالة تأتيها هي وشفق و إحدى الخادمات فتجلسن معها طيلة اليوم.

لكن بمجيء الليل تنصرفن فتشعر بوحشة وخوف شديدين وتشعر بها هالة خاصةً عندما تسلم عليها عند انصرافها.

وذات يوم إذ كانت شفق تلعب بجوارها وهي جالسة صامتة ترد علي الكلام بالكاد.

هالة:خلاص يا حبيبتي استقريتي هنا ؟؟

فهزت برأسها أن نعم وبدأت ملامحها تتغير.
هالة:مش قصدي ، خلاص خلاص ما تقوليش حاجة.

لكن شفق تماسكت وقصت كل ما حدث وقبل أن تنتهي كانت عاودت البكاء من جديد فهدأتها هالة واحتضنتها برفق.

هالة :الحمد لله إنها جت علي اد كده حبيبتي ، وحمد الله علي سلامتك ، خلاص الكابوس ده خلص وراح وأنا معاكي أهو ومش هسيبك أبداً لا أنا و لا شفق.

فنظرت ناحية شفق ثم اعتدلت متفاجأة.
شفق:ماما ، هي شفق مالها؟؟؟؟

هالة:مالها؟

شفق:وشها أصفر أوي وشفايفها زرقا ، هو باباها لسه ما لاقاش دكتور مناسب ؟؟؟

فتنهدت هالة وقالت:إن شاء الله ، لما يرجع.

شفق:إزاي يا ماما ؟؟!!! صحة بنته أهم من سفرياته وشغله ، ياريت كان لي كلام معاه كنت كلمته.

فنظرت لها هالة بتعجب و عدم فهم لكن لم تعلق.

وفي الفيلا جلست هالة لبعد منتصف الليل تنتظر ابنها حتي عاد أخيراً ، يترنح ويدندن فانتبه لوجود أمه.

وليد:ماما لوووووليييييي!  إده مستنياني بنفسك ؟!

هالة:يا أخي فوق لنفسك بأه ، ده انا كنت ما صدقت إن حالك انصلح وعرفت سكة المسجد و واظبت علي الصلاة، انت بتعاقب مين فهمني ؟ ولا فاهم إنك بتمن علي ربنا بتوبتك دي ؟؟!!! الصالح صالح لنفسه وبس ، بس أنا خايفة عليك ، وخايفة علي بنتك كمان ،البنت حالتها بتتأخر وانت ولا علي بالك ، بدل ما تقرب من ربنا و تدعي ليل ونهار إنه يشفيها و يرزقك بدكتور شاطر يعالجها ، شوف بتعمل إيه ، كفاية يا بني بدل ما بذنبك ده تتحرم منها.

كان وليد يجلس و ينظر بلامبالاة فقامت إليه غاضبة و جذبته من ملابسه تهزه بكل ما أوتيت من قوة لكنه لم يبالي لها فصفعته علي وجهه بأقصي ما لديها وهي تصرخ في وجهه :ما تفوق بأه ، فوووووووووق.

فوجم وليد وتجمد مكانه و نظر نظرة طويلة ثم جري مسرعاً لغرفته.

ونكمل الحلقة الجاية ،

NoonaAbdElWahed

( العوض الجميل)
الحلقة التاسعة

  بقلم :نهال عبد الواحد
وجم وليد وتجمد مكانه و نظر نظرة طويلة لأمه ثم جري مسرعاً لغرفته وأغلق عليه بابه وجلس ف الأرض يبكي بشدة ويرتفع نحيبه مثلما كان صغيراً وتضربه أو تعنفه أمه.

وبعد بكاء طويل دخل الحمام وفتح الماء فوق رأسه ولازالت دموعه تنهمر وبعد فترة أغلق الماء وجفف شعره و خرج ونظر إلي ساعته وقد قارب الفجر علي الأذان فذهب وتوضأ وصلي العشاء وبكي كثيرا لكن تلك الدموع مختلفة ، تلك المرة هي دموع التوبة و الخشية من الله .

رزقنا الله وإياكم حلاوة الخشوع وخشية الله.

ثم نهض وإتجه إلي المسجد الذي كان قد إعتاد الذهاب إليه ثم انقطع ودخل المسجد ولم يكن هناك غير الإمام يجلس ويقرأ القرآن.

فدخل وصلي ركعتين ثم اقترب من الإمام ومد يده مصافحا له وكان الإمام يعرفه.

الإمام :إيه يابني غيبتك طولت ، روحت فين ؟

فرد وليد علي إستحياء:الدنيا بتخبط في يا شيخنا !

الإمام:وإيه الجديد ماهي دنيا !!!

فسكت وليد ونظر للأرض في حرج شديد فلا يجد ما يقوله.

الإمام:شكلك رجعت.

فهز وليد رأسه بأن نعم علي إستحياء.

الإمام :أول التوبة يا بني الشعور بالندم وإنك تحس إنك مخطئ وده أنا شايفه ، كمل بأه ، واوعي ترجع للذنب تاني.

وليد:أنا حاسس إن ربنا ما قبلش توبتي عشان كده رجعت تاني.

الإمام:حاشاه !! ربنا رحمته واسعة ، ده بيتوب علي الكافر إذا تاب ويبدل سيئاته حسنات ، لكن الشيطان مش هيسيبك بسهولة تروح منه لازم يغويك كل شوية ولازم انت تقاوم وتفضل تستعين بالله وتدعيه يثبتك لأنه كل شوية هيدخلك من مدخل ، بس إوعي يدخلك ويشكك في توبتك لربنا وإنت تصدقه فتيأس إنك تتوب تاني ، إجمد وخليك قوي واستعين بالله وكمل في طريق الله حتي لو زاحف علي بطنك بس إوعي ترجع.

وأذن أذان الفجر ثم قام المصلون وصلوا جماعة وجلسوا جميعاً في مقرأة للقرآن حتي شروق الشمس وعاد وليد يشعر بخفة في نفسه وأنه أحسن حالاً.

أتيت بذنبي يا نور فؤادي
                      فعل ترضي عني وقد فني زادي
         هل للمسئ رجاء في رحمة وعطاء ؟
         هل تقبل الأعذار من مثلي يا غفار ؟
         هل للعيون تنام ندما علي الأيام ؟
         يا صاحب الإحسان إلهي يا منان!
      جئت يا كريم عدت يا رحيم تبت يا إلهي

نام وليد واستيقظ قبيل الظهر و نزل فوجد أمه علي وشك الخروج ذاهبة لشفق فناداها وليد :ماما !

فتوقفت في مكانها دون أن تلتفت نحوه فجري عليها وأخذ يقبل رأسها كثيراً ويديها.

وليد:خلاص يا أمي ، خلاص والله ، حقك علي ، أنا رجعت  وتبت والحمد لله ويارب يثبتني ، بس انت سامحيني ،كله إلا زعلك.

فربتت علي كتفه واحتضنته بحنان وقالت:الحمد لله ياابني كله فضل ونعمة من الله.

وليد:انتوا رايحين علي فين كده ؟

هالة:ماانت مش عايش معانا ، إحنا كل يوم بنروح نقعد معاها ونرجع بليل.

وليد:لسه تعبانة ؟؟

هالة:لا اتحسنت كتير الحمد لله.

وليد:عرفتي سبب اللي حصلها ؟؟

فربتت علي كتفه وابتسمت وقالت :شفق ما تعرفش إنك ابني ، مش كده ؟

وليد:لا ما تعرفش.

وهنا نادته شفق :يا بابي ! إيه هوا  أنا ولا إيه ؟؟ ولا بصتلي ولا عبرتني ، مش وحشتك يعني ؟؟

فنظر نحوها ثم وجم مكانه ونظر لأمه فهزت برأسها أن نعم فكأنه لم يراها من قبل ، ذلك الوجه الذي صار أكثر شحوبا والشفاه المائلة للإزرقاق فاحتضنها وقبلها ثم وقف يحاول الإبتسامة لإبنته ثم قال :باي باي يافوفي.

ثم وجه حديثه لأمه:هتصرف ف أسرع وقت إن شاء الله.

مرت الأيام ولازالت هالة وشفق يومياً عند شفق و وليد بين عمله ومراسلاته للأطباء حتي وجد الطبيب المناسب وبدأت الإستعدادات للسفر.

وذات يوم بينما كانت هالة عند شفق في شقتها.

هالة:كنت عايزة اتكلم معاكي ف حاجة حبيبتي.

شفق:اتفضلي يا ماما!

هالة:إحنا خلاص ربنا كرمنا و وصلنا لدكتور مناسب هيعمل العملية لشفق.

شفق بسعادة غامرة :بجد ! ألف حمد وشكر ليك يارب.

هالة:وطبعا عارفة إن العمليات من النوع ده التعافي منها بيحتاج لوقت وكمان بتحتاج لفترة نقاهة.

شفق:أيوة فعلا ، عموما لسه بدري علي بداية العام الدراسي وحتي لو بدأ ما تقلقيش هتصرف.

هالة:مش ده قصدي حبيبتي.

فنظرت نحوها شفق بإستفهام.

فأكملت هالة:شفق محتاجة لحد مهم يفضل جنبها طول الفترة دي وما يسيبهاش ، حد بتحبه أوي ويكون قريب منها جداً ، الحد ده يبقي انت يا شفق.

شفق :أنا مش فاهمة حاجة.

هالة:عايزاكي تسافري معانا وتقيمي معانا لحد ما شفق تخف تماماً ، انت عارفة إنها محرومة من أمها وانت الوحيدة اللي قدرتي تملي الفراغ ده ، والوحيدة اللي تقدري تسانديها الفترة الجاية ، وبعدين أنا بصراحة ما قدرش أسافر وأسيبك لوحدك كل ده من غير ما اطمن عليكي.

شفق:بس حضرتك......

هالة:أنا عارفة إنها حاجة مرهقة ليكي حبيبتي وانت مش ملزومة بيها.

شفق:لا لا لا مش ده قصدي أبداً ، بس أقيم معاها ! المنظر العام يعني ، وبعدين باباها هيقول علي إيه ؟!! لا لا دي صعبة اووووي.

هالة:لا هيقول ولا هيعيد ، هو عارف ومرحب ، مالكيش دعوة انت وافقي وبس ، ويا دوب عشان نلحق نجهز الأوراق وأنا معاكي ف كل خطواتك ماتقلقيش والله ، مش انت بتعتبريني أمك ؟!!

شفق:ربنا يعلم والله.

هالة:يبقي خلاص وافقي.

وبالفعل وافقت شفق مع إلحاح من هالة وبدأت تخرج معها يومياً لتجهيز الأوراق الخاصة بالسفر وشراء الملابس والمستلزمات وصار كل شيء علي أتم إستعداد.

لم تنسي شفق وليد طوال تلك الفترة ، لكن عدم ذهابها إلي الفيلا جعلها لم تراه من زمن وتستحي من السؤال عنه لكن لازال في قلبها ربما قد انشغلت عنه في فترة مرضها بسبب الحالة التي كانت فيها وما مرت به ، لكنه الآن صار محتلا لكل تفكيرها و تتسآل بداخلها هل لازال يذكرها؟ هل من لقاء يوما؟

وجاء يوم السفر وذهبت شفق مع شفق الطفلة وهالة إلي المطار و وقفن تنتظرن والد شفق وشفق في قمة توترها فلم يجمعها لقاء به سوي ذلك اليوم الذي صاح بوجهها عندما كانت شفق في المشفي.

لكن لماذا يدق قلبها بتلك الطريقة ، مؤكد من التوتر والخوف.
إهدأ يا قلبي  ! مالك صرت تدق بمناسبة وبدون مناسبة ؟؟؟!!!!
هكذا تحدث نفسها.

لكن فجأة إذا بصوت تعرفه جيداً يأتي من خلفها ، صوت تعشقه واشتاقت إليه وإلي سماعه كثيرا ، لكنها ظنت أنها تهيؤات من شدة إشتياقها إليه.

لقد أصبتي بهلوسة سمعية يا شفق تسمعين كل الأصوات صوته ،وربما لا أحد ينادي من الأساس.
هكذا تحدث نفسها مجدداً.

لكنها لاحظت نظر هالة مركز خلفها كما أن شفق اتجهت تجري خلفها فإلتفتت لمصدر الصوت.

وليد وهو يحتضن ابنته :حبيبة بابي !

نظرشفق نحوه وأخفضت طرفها مسرعة إنه حقا وليد !

  وليد والد شفق !  يا لحماقتك ! إن شفق تدعي  شفق وليد ، وكيف لعامل بسيط في رأيك أن يتجول داخل حديقة الفيلا بتلك الحرية ؟!!!
لكنه لم يقل لك يوماً أنه عامل أنت من ظننتي ذلك بحماقتك.

كانت شفق شاردة في أفكارها وأغمضت عينيها للحظات كأنها تحاول إستعادة توزانها ، وبالطبع كانت أعين وليد مسلطة عليها.

هالك:إتأخرت كده ليه ياوليد؟

وليد:معلش يا ماما كنت بقفل شوية حاجات ، إزيك يا ميس شفق ؟؟؟

شفق بفجأة :هه ! ثم قالت :أهلا وسهلا.

تشعر الآن باضطراب كبير اقد زادت المسافة أكثر وأكثر ، بل بات الأمر مستحيلاً .

كانت تحمل هم مصارحة وليد البسيط فما بال الآن وهو وليد رجل الأعمال الثري.

ونكمل الحلقة الجاية ،
NoonaAbdElWahed
      

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حصريات سحر الروايات: مجنونة أحتلت قلبي للكاتبة فاطمة مصطفي